Presentation is loading. Please wait.

Presentation is loading. Please wait.

وقُلِ اعمَلُوا فَسَيرَى الله عَمَلَكُم وَرَسُولَهُ والمُؤمِنُون

Similar presentations


Presentation on theme: "وقُلِ اعمَلُوا فَسَيرَى الله عَمَلَكُم وَرَسُولَهُ والمُؤمِنُون"— Presentation transcript:

1 وقُلِ اعمَلُوا فَسَيرَى الله عَمَلَكُم وَرَسُولَهُ والمُؤمِنُون
بسم الله الرحمن الرحيم وقُلِ اعمَلُوا فَسَيرَى الله عَمَلَكُم وَرَسُولَهُ والمُؤمِنُون

2 الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر رئيس قسم الفلسفة الإسلامية
مساق الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر أ.د أحمد عرفات القاضي رئيس قسم الفلسفة الإسلامية كلية دار العلوم جامعة الفيوم

3 مفهوم الفكر الإسلامي الحديث
الفكر هو حركة العقل الفكر الإسلامي : هو ما أنتجه العقل المسلم من خلال الأصول الإسلامية ( القرآن والسنة) سواء كان هذا الفكر صوابا أو خطأ . الفكر الإسلامي الحديث : جهود المسلمين في العصور الحديثة في تجديد وتطوير الفكر الإسلامي استنادا إلى الأصول الإسلامية الصحيحة .

4 عوامل نشأة الفكر الإسلامى الحديث
عوامل خارجية الحملة الفرنسية رأى لويس عوض أهداف الحملة عوامل داخلية أولا: حركة محمد بن عبد الوهاب ثانيا: رأى محمود شاكر الرد على القول بدور الحملة الفرنسية

5 تعقيب

6

7 مصطلح التجديد غموض المصطلح: يمكن القول أن مصطلح التجديد تشعبت معانيه، وتنوعت مضامينه مع بداية العصر الحديث، لتنوع خطاب التجديد بين تيارات مختلفة المشارب والرؤى رغم اتفاقهم على ضرورة التجديد كمطلب ملح، وإشكالية حقيقية تواجه الأمة. ومن هنا يعد مفهوم التجديد من المفاهيم الإشكالية . التجديد مطلب ذاتي في الإسلام : ومصطلح تجديد كلمة لها أصولها الشرعية ومدلولها الواضح من خلال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها". التجديد والواقع :وقد يكون التجديد تفاعلا مع الأحداث وإحساسا برتابة الواقع، وحاجته للتغيير وعودة الوعي من جديد، بعد طول انقطاع أو انحراف عن الطريق السوي الذي سارت فيه الأمة، فخلدت للتقليد واستنامت إلى الراحة مكتفية بترديد مقولة: "إن السابق لم يترك للاحق شيئا" التجديد والتراث : والتجديد ليس انقطاعا عن تراث السابقين ولا قفزا عليه، ولكنه يكون بقتل هذا التراث بحثا، ونقدا لاستيعابه – حسب تعبير الشيخ أمين الخولي – وتجاوزه إلى أفق جديد يتناسب مع طبيعة العصر ومشكلات الوقت الراهن، لمواجهة التحديات المفروضة على الأمة .

8 الإصلاح أهمية الإصلاح :ويبدو أن مصطلح الإصلاح كان الأكثر قبولا في التعبير عن معنى التجديد من مصطلح تجديد نفسه. فرغم أن كلمة تجديد وردت في الحديث النبوي ويقصد بها عودة الناس للأصول الصحيحة بعيدا عن البدع والخرافات. المصطلح الأكثر رواجاً :فمصطلح الإصلاح كان هو الأكثر رواجا في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وهذا ما يستشف من جهود الشيخ محمد عبده الذي كانت ترمي لإصلاح الأوضاع في جميع المجالات الدينية والاجتماعية والسياسية. الكتب المستخدمة بالعنوان :زعماء الإصلاح ، عبقري الإصلاح والتعليم .

9 النهضة مصطلح النهضة:أما مصطلح النهضة، فيحمل مضامين مادية، وربما لهذا السبب لم ينل شهرة واسعة كالإصلاح، كما أنه يتخطى نطاق الخطاب الديني نحو أفق أكثر عمومية يشمل جميع أنواع الخطاب. النهضة والسقوط :لكن المصطلح رغم هذا يعبر عن معنى التجديد الإصلاح، فالنهضة تكون بعد سقوط وتعثر وهذا ما جاء به الأنبياء والمرسلين للنهوض بالأمم والشعوب. الإسلام والنهضة :فالإسلام ليس دين عبادة فقط وإنما هو نهضة دينية ومدنية معا، قصد بها النهوض بالعرب الذين اختير الرسول منهم أولا، لينهضوا بسائر البشر ثانيا، وقد كان العرب في ذلك الوقت أمة أمية وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة الجمعة "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(2)".

10 الإحياء مصطلح الإحياء:بمعنى إحياء الدين في النفوس ورد الناس إلى الدين الحق، وهو مصطلح استخدم كثيرا قديما وحديثا منذ كتاب أبو حامد الغزالي الشهير إحياء علوم الدين وهو مصطلح شاع في العقدين الآخرين من القرن العشرين، وأطلق على الحركة الإسلامية التي تنامت في تلك الفترة وقويت شوكتها خصوصا بعد الثورة الإسلامية في إيران.

11 إعادة البناء معنى المصطلح :مصطلح إعادة البناء(Re-Constructor) وهو ما جاء في كتاب محمد إقبال عن "إعادة بناء الفكر الديني في الإسلام" (Re-Construction of Religion Thought) وإن كان إقبال يركز في كتابه على المنهج ولا يخفى تأثره بالتطور الحادث في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية في الغرب الذي كان يعيش فيه، والذي كان واقعا تحت تأثير نظرية دارون في مجال العلوم الإنسانية الاجتماعية.

12 الصحوة معنى المصطلح: والصحوة تعني عودة الوعي والانتباه بعد غيبة، وقد عبر عن هذه الظاهرة في بعض الأحيان بعنوان اليقظة في مقابل الرقود أو النوم الذي أصابها في عهود الاستعمار والسياسي الذي خلف ألوانا أخرى من الاستعمار الثقافي والاجتماعي، الذي يسلخ الأمة من ذاتيتها. شيوع المصطلح في الوقت الراهن : وقد تم تداول مصطلح الصحوة بكثرة منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي حيث شهدت الساحة العربية والإسلامية في تلك الفترة انشغالا واضحا بدراسة الصحوة الإسلامية، كما تم الانشغال بها أيضا في الغرب ولكن بدوافع مختلفة فخرجت ألاف الدراسات الغربية وعقدت عشرات المؤتمرات عن الأصولية الإسلامية.

13 تعـقــيـب جملة القول أنه شاع استخدام اصطلاح الصحوة للدلالة على هذه الظاهرة، وهناك من استخدم اصطلاح الإحياء لما يعنيه من بث روح جديد في نفوس الناس، وبدت الصلة وثيقة بين هذين الاصطلاحين وبين اصطلاحي اليقظة والنهضة، الذين شاعا منذ أكثر من قرن في وطننا للدلالة على طور انبعاث حضاري، تنتقل به الأمة من حالة النوم والركود إلى حالة اليقظة والنهوض، وتتجاوز السكون إلى الحركة.

14 التجديد والمنهج حاجتنا للتجديد المستمر: الزعم بأن الفكر الإسلامي لا يواجه مشاكل؛ يعد من قبيل السذاجة والوهم، وذلك لأن الفكر عموما يكتنفه القصور والنقص والخطأ والجمود، والفكر الإسلامي ليس بدعا في هذا، ومن هنا فالطبيعي عقلا ومنطقا فضلا عن الواقع يقول أن الفكر الإسلامي بحاجة دائمة للتجديد وأنه على مر التاريخ والعصور وجد من العلماء من قام بهذا الدور في جميع مجالات الفكر الإسلامي المتنوعة، ويواجه هذا الفكر تحديات جسام تفرض على علمائه شحذ الهمم لمواجهة مشكلات العصر وقضاياه. الفكر يكتنفه الغموض . الفكر الإسلامي ابن بيئته وعصره . الفكر الإسلامي مطالب بقضايا زمانه والفلسفات السائدة والسياسات والمشكلات والقضايا الواقعة أن استقراء التاريخ والواقع دل على ركود الفكر الإسلامي وتقادمه في فترات عديدة سواء كانت طويلة أو قصيرة، متصلة أو منفصلة. ولا يمكن رد تخلف الفكر الإسلامي نتيجة تفريط بعض الحكام، لأن هذا التعليل فساد في تصور المشكلة. وذلك لأن القراءة الموضوعية لملف النهضات والحضارات تنتهي إلى هذه النتيجة الحاسمة.

15 أهمية المنهج في عملية التجديد
وترتبط قضية تجديد الفكر الإسلامي، بقضية أخرى زمنا وموضوعا- تقترن بها، وهي المنهج الذي ينبغي أن تسير عليه حركة التجدد الفكري: في المنشأ والمسير والنتيجة. فالذين يفكرون بلا منهج، لم يخرجوا من دائرة الفوضى الفكرية، والذين يفكرون وفق منهج خاطئ عجزوا عن أن يكونوا مجددين حقيقيين. ذلك أن للتجديد الحق أصولا وشروطا لا يظفر بالنجاح في التجديد من تجاوزها، أو تجاهلها، أو أخل بها . وعلى الرغم من أنه قد صدر عن هؤلاء – الذين يعملون في حقل الفكر الإسلامي دون منهج – انطباعات فكرية جديدة اجتماعية أو سياسية أو تربوية، بيد أن الخلل في المنهج حرمهم من بلوغ مراتب عالية، كان ينبغي أن يرتقوها، وحرم الأمة مما هي في أشد الحاجة إليه من فكر جديد.

16 التجديد والتوفيق فعلى سبيل المثال، التوفيق الذي قام به فريق كبير من الباحثين العرب بين الأفكار والرؤى الغربية وبين أصول الفكر الإسلامي لا يعد تجديدا لما ينطوي عليه هذا المنهج من مخاطر جمة تضر أكثر مما تنفع في عملية التجديد، فإن التوفيق بين الشورى والديمقراطية ليس تجديدا، والتوفيق بين عدالة الإسلام واشتراكية ماركس ليس تجديدا . والتوفيق بين حقائق الإسلام ونظريات علمية – لا تزال في طور التمحيص ليس تجديدا. والتوفيق بين أهل السنة والجماعة، وبين أقوام مخالفين للمنهج في الأصول ليس تجديدا. والجرأة على الاجتهاد – بلا عدة – ليس تجديدا. وبعث أفكار قديمة – لا قيمة لها – في صورة عصرية، من حيث الترتيب الفني، ولمعان الأسلوب ليس تجديدا. إذن فالعمدة في أمر التجديد هو المنهج. فلا تجديد بلا منهج، ولا تجديد بمنهج خاطئ .

17 المنهج السلفي وخصائصه الاستغراق الكامل في النصوص. إساءة الظن بكل مذهب والوقوف بصفة خاصة عند الأحكام الفرعية . أو رأي أو اجتهاد يدعو إلى استخدام العقل، والتعويل عليه في استنباط الأحكام الفقهية وتقرير الأمور الدينية. واعتبار هذا الاستخدام تهديدا لقدسية الشريعة، ومدخلا لتحكم الهوى، وتمردا على حكم الله . المبالغة في تقديس آراء علماء القرون الأولى من تاريخ الإسلام، ومتابعة تلك الأقوال والآراء امتثالا لما ورد به حديث النبي صلى الله عليه وسلم " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" ولما اشتهر عنهم من الجمع بين العلم والعمل به، وبين المعرفة والتقوى، على نحو كانوا معه أئمة في العلم وقدوة للأمة في السلوك والعمل. ونحن لا نخفي استدراكنا على كل المقولات المكونة لهذا المنهج .. واعتقادنا بأنها تؤدي إلى انكماش الحضارة الإسلامية، وتراجع شأن المسلمين .. كما أنها تلزم المؤمنين بما يلزم به الله .. وتملأ حياتهم عسرا وحرجا وحيرة .. إن العقل المسلم المعاصر يحتاج إلى أن يعيد النظر في جسارة وثقة في كل واحدة من المقولات التي تقف في طريق التجديد، وتحبس الأمة في إطار التقليد.

18 الـرد على السلفية أن أحدا من المسلمين، عامتهم وعلمائهم، لا يخطر بباله أن يهون من قدسية النصوص القرآنية، أو نصوص الأحاديث النبوية الصحيحة.. وهم جميعا مأمورين بالامتثال لما جاءت به تلك النصوص . ولكن النصوص الجزئية تحتاج إلى تفسير، ولهذا التفسير أصول ومناهج مقررة.. كما أن وراء النصوص الجزئية مقاصد كلية عامة لا يتصور الغفلة عنها أو الذهول عن أحداثها.. وإلا استوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون.. ولوقع جملة الناس في الحرج والعسر والمشقة بسبب التزامهم ما لا يلزم، ولفاتت مصالح ومنافع شرعها الله سبحانه لهم . - والإتباع الذي أمرنا به هو إتباع العقلاء المبصرين الذين يرون آيات الله تعالى في الآفاق وفي أنفسهم .. لا إتباع المقلدين الذين سدوا على أنفسهم، وعلى الناس طرقا كثيرة من طرق الحق والخير والعدل، ظنا منهم منافاتها للشريعة، ولعمر الحق إنها لم تناف الشريعة، وإنما نفت ما فهمه هؤلاء من الشريعة .. والابتداع الذي نهينا عنه، هو أن يدخل على الدين ما ليس منه، زيادة فيه أو نقصا منه.

19 ثنائية العـقل والنـقل قد آن الأوان لإسدال الستار على الثنائية التقليدية التي سممت الحياة الفكرية لملايين المسلمين عبر قرون طويلة، وهي الثنائية التي تقابل بين العقل والنقل ولا نقول في هذا إلا أن العقل آية من عند الله. وأن النقل قرآنا وسنة نعمة ورحمة من عند الله، وليس يصح في العقول أن تتناقض آيات الله مع رحمته . وإذا وقع تناقض موهوم مرجعه إلى واحد من أمرين: أولهما: ألا يكون المنقول قطعيا في وروده أو في دلالته. والآخر: ألا يكون المعقول يقينا في صحته وثبوته وثباته. ولكن المهم أن يستقر في العقل المسلم أن الإيمان فريضة، وأن العلم – هو الآخر – فريضة. وأن الله تعالى أنعم علينا بكتابين هما آيتان من آيات رحمته. كتاب الموحى به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. وكتابه الأكبر المثبوت في الكون والتاريخ وفي ثنايا الوجود كله. وإذا كان الإيمان والتصديق هما السبيل إلى استقبال كتاب الله الأول. فإن البحث والتجربة والنظر وسائر ما يتجلى به العقل على العالم، والطبيعة هو السبيل إلى استقبال كتاب الله الأكبر، المبثوثة آياته في الآفاق والأنفس.

20 أهمية التفاعل الحضاري وأما رفض كل فكرة وافدة، وإغلاق الباب في كل وجه كل تبادل ثقافي، فإننا نرى الإسراف فيه تغييرا واضحا عن المبالغة في الخوف، ونقص الثقة في قدرة الأمة، وقدرة علمائها على اتخاذ موقف نقدي من تلك الأفكار الوافدة. إن هذا الرفض المطلق الذي يعزل ثقافة المسلمين عن كل ثقافة إنسانية قديمة أو حديثة يقوم على ثلاثة أخطاء لابد أن نسميها بأسمائها، وأن نستدرك عليها في غير مجاملة لأحد.

21 خطأ الرافضون للتفاعل الخطأ الأول: تصور الإسلام كما لو كان كيانا ونظاما مختلفا عن كل ما عداه اختلافا مطلقا، وينسى أصحاب هذا التصور أن الإسلام هو دين الأنبياء جميعا. وأن الحكمة ضالة المؤمن. الخطأ الثاني: تصور إمكان العزلة، وتوهم أنها مسلك يحتاج إليه المسلمون وهذا خطأ مركب. فالعزلة لم تعد ممكنة بعد الثورات العلمية والصناعية التي أدت إلى سقوط حواجز الزمان والمكان. ولم يعد لطلاب العلم العزلة سبيل – اليوم- لممارستها إلا بأن يقطعوا عن أنفسهم شرايين الحياة، وهواء التنفس، ونسمات الحياة الاجتماعية التي فطر الناس عليها. الخطأ الثالث: أن كثرة الحديث عن خطر الفكر المستورد والعيش الدائم تحت ظلال الخوف من أشباح الغزاة يحتاج إلى مراجعة واستدراك، ذلك أن أكثر الأفكار التي نعايشها اليوم أفكار مستوردة من مكان آخر أو زمان آخر. والفرض الذي لا يجوز البناء غيره أن المسلمين أصحاب عقول ونظر، وأن لهم في اختيارهم من تجارب الآخرين وأفكارهم ميزانا ومعيارا. والمسلمون في تاريخهم الطويل ابتداء من عصر النبوة لم يجدوا - في عصور نهضتهم- حرجا ولا غضاضة في أن يأخذوا من غيرهم وأن يأخذ غيرهم منهم.

22 التحديات المعاصرة تحديات خارجية يواجه الخطاب الديني المعاصر مأزقا حقيقا في التعامل مع الغرب عموما، من حيث طبيعة هذا الخطاب، وكيفية إيجاد خطاب إسلامي واضح ومميز يجيد التعامل مع العقلية الغربية، بعيدا عن أسلوب الوعظ المباشر والنمطية السائدة في عالمنا العربي والإسلامي. فالغرب يحتاج لعقلية عاشت وفهمت الثقافة الغربية، وتعرف كيف تخاطب المثقف الغربي بلغته بعيدا عن أسلوب الخطابة والوعظ المباشر. الغرب يحتاج للغة العقل والبرهان، وبناء على هذا يحتاج لعقلية أمثال على عزت بوجوفيتش ومردا هوفمان، وليس لمن يحدثهم عن البدعة ودار الكفر ودار الإيمان. تحديات داخلية الاستقطاب الطائفي والمذهبي بين السنة والشيعة. مشكلة التخلف الحضاري عند المسلمين. مشكلة الغلو والتطرف والفهم المنقوص للإسلام. ضرورة تجديد أدوات الخطاب الديني المعاصر

23 الاستقطاب الطائفي والمذهبي
تعد قضية الخلاف التاريخي بين الشيعة والسنة، من المشكلات الحقيقية التحديات الداخلية التي تواجه الخطاب الديني في العصر الحديث. ورغم انعقاد عشرات المؤتمرات لهذا الغرض يبقى الوضع على ما هو عليه، دون تغيير حقيقي وجوهري ملموس لحل هذه الإشكالية، التي مازالت تمثل صداعا مزمنا بين شطري الأمة سنة وشيعة، وتعد تحديا حقيقيا يهدد بنيان الوحدة الإسلامية. ورغم هذا الواقع المرير يظل موضوع الحوار البناء بين المسلمين سنة وشيعة أولى بالاهتمام من الحكماء والعقلاء من أبناء الأمة سنة وشيعة على السواء، وهذا ما يؤكده منطق الدين والعلم والواقع وهذا الحوار الواعي من أجل التقارب والتلاحم بين أبناء الأمة، بجميع مذاهبها ومدارسها وطوائفها، تحتمه ضرورات الواقع، وما تتعرض له الأمة من مخاطر تهددها دون تفريق بين شيعة وسنة

24 مرتكزات الحوار معرفة الطرف الآخر من خلال مصادره، وحسن الظن به.
التعاون في المتفق عليه، والتحاور في المختلف عليه. تجنب الاستفزاز، والمصارحة بالحكمة. البعد عن شطط الغلاة. الحذر من الدسائس وضرورة التلاحم.

25 نقاط الإلتقاء وحقيقة الأمر أن البحث الموضوعي المجرد من قبل علماء وباحثي كل مذهب وطائفة لعقائد الطوائف الأخرى ومناهجها الفقهية سيكشف للجميع أن المساحات المشتركة واسعة جدا. أما الخلافات فيمكن الوصول في كثير منها إلى نقاط وفاق. وأما ما لايمكن الوصول فيه إلى نقاط وفاق، فيترك لكل مذهب بحيث يعد من خصوصياته ومميزاته، ولا يجعل ذريعة لاعتبارها أساسا للخلاف والنزاع وإفساد العلاقات الإسلامية. ومن قبيل التفاؤل الزائد عن الحد رؤية هذا الخلاف - الذي اعتبر عامل انقسام – على أنه لا يعدو كونه واقع ضمن الوحدة، ولا يجوز الاسترسال مع هذا التنوع أو هذا الاختلاف، لأن ذلك يؤدي إلى الإخلال بوحدة الأمة، باعتبارها وحدة عقائدية وتشريعية. كما لا يجوز بحث هذه الخلافات خارج دائرة العلماء المتخصصين الضيقة، فلا تكون مادة للحديث اليومي أو الموسمي بين العامة او على صفحات الصحف أو الفضائيات وما يذكره بعض الباحثين عن وجود خلافات عقائدية تحول دون هذا التقارب مثل قول الشيعة بالعصمة للأئمة، وكذلك القول بالغيبة والرجعة، وغيرها فهي تدخل في سياق الخلافات التاريخية، التي لا وجود لها الآن. ومن جهة أخرى يعد الحديث عن ولاية الفقيه وغيرها انقلابا على هذه الأفكار التاريخية.

26 مشكلة التحدي الحضاري تعد مشكلة التخلف الحضاري أحد التحديات الداخلية التي تعوق الخطاب الديني عن أداء دوره ، خصوصا في المجتمعات غير الإسلامية، وبالتالي تعد أحد الإشكاليات التي تواجه الخطاب الديني المعاصر. وأكبر دليل على مشكلة التخلف الحضاري عند المسلمين، حينما تم تصنيف أفضل 500 جامعة عالمية في نهاية عام 2005م لم يكن من بينها جامعة عربية أو إسلامية واحدة. بالإضافة إلى هذا أن ميزانية البحث العلمي في دولة الكيان الصهيوني تفوق ميزانية البحث العلمي في الدول العربية جميعها. ورغم هذا ظل موضوع التخلف العلمي بين الشرق والغرب قائما، ووجدت حالة من الاستقطاب الفكري بين كثير من رجال الفكر والثقافة، الذين تلقوا تعليمهم في الغرب ورأوا في نهضة أوربا النموذج والقدوة، وهو ما يجب أن يطبق في بلادنا. وهذا ما عرف بتيار التغريب، في مقابل أنصار المشروع الإسلامي، الذين رأوا ضرورة الاستفادة من المنجزات العلمية الغربية، مع الاحتفاظ بالهوية الثقافية لمجتمعنا كمجتمع إسلامي. ونتيجة للصراع الفكري بين أنصار المشروعين وعدم وضوح رؤية متكاملة يتبناها المجتمع الإسلامي، ونتيجة لغياب الحرية السياسية والاجتماعية والفكرية، تبددت جهود الأمة في الصراع الداخلي، فحل الاستبداد الداخلي محل الاستعمار الخارجي، ونتيجة للفشل في تحقيق مشروع نهضة حقيقية، وإجهاض جميع محاولات الانفلات من جحيم التخلف الحضاري، ورغم المحاولات المتعددة والمكررة، والتي يعود فشلها في الأعم الأغلب أنها مشروعات فردية

27 مشكلة الغلو والتطرف من المشكلات المزمنة التي تواجه الخطاب الديني المعاصر، قضية الغلو والتطرف، التي استشرت وتفاقمت في معظم بلاد العالم العربي والإسلامي، والتي كانت نتيجة لعوامل اجتماعية وسياسية وثقافية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها في رصد أسباب الظاهرة ومحاولة علاجها. والغلو ظاهرة عالمية، تم رصدها في مختلف الأديان والثقافات، تحت عنوان الأصولية(Fundamentalism) . ورغم ذلك تم تسليط الضوء على الظاهرة باعتبارها نتاجا إسلاميا محضا، وشاركت بعض التيارات العربية من العلمانيين والأيديولجيين في تضخيم الظاهرة بدافع العداء لكل ما هو إسلامي. وحقيقة الأمر فإن لظاهرة الغلو والتطرف جذورا تاريخية عميقة في المجتمع الإسلامي.

28 الغلو رد فعل للتغريب ومع ظهور تيار التغريب في العصر الحديث، في المجتمع الإسلامي، نشأت كنوع من رد الفعل، تيار جديد ميز نفسه بالجماعات الإسلامية، ومع تشعب هذه الجماعات، ونتيجة لغياب دور الأزهر المؤثر والمؤسسات الدينية الفاعلة في المجتمع، ونتيجة للفشل في تحقيق النهضة والعدالة الاجتماعية، وللاستبداد في المجتمعات العربية والإسلامية، برزت من جديد نزعة التكفير ومخاصمة المجتمع والدعوة للعودة للمجتمع الإسلامي في صورته النقية عصر الرسول والخلافة الراشدة. والجدير بالملاحظة، كان كثير من رجال هذه الجماعات من غير المختصين، بالفكر الإسلامي ولا بقضايا الفقه والعقيدة، ونتيجة لعدم الفهم الحقيقي والمتكامل الإسلام، تسارعت وتيرة الفتاوى المكفرة للمجتمع، والمطالبة باغتصاب أمواله وقتل الموافقين على العيش في ظل هذه الأنظمة الكافرة الرافضة لشرع الله، والتي تعيش في ظل القانون الوضعي الغربي. وقد استشرت الظاهرة في العالم العربي والإسلامي، نتيجة لعوامل سياسية واجتماعية وفكرية، رصدها المحللون كل في مجاله وتخصصه. وكان من نتيجة تفاقم هذه الظاهرة، تشتيت جهد الأمة وتبديد طاقاتها، في مواجهات داخلية كانت في غنى عنها فتعمقت الأزمة واستشرت واستحكمت

29 صورتنا في مرآة الآخر يواجه الخطاب الديني المعاصر مأزقا حقيقا في التعامل مع الغرب عموما، من حيث طبيعة هذا الخطاب، وكيفية إيجاد خطاب إسلامي واضح ومميز يجيد التعامل مع العقلية الغربية، بعيدا عن أسلوب الوعظ المباشر والنمطية السائدة في عالمنا العربي والإسلامي. فالغرب يحتاج لعقلية عاشت وفهمت الثقافة الغربية، وتعرف كيف تخاطب المثقف الغربي بلغته بعيدا عن أسلوب الخطابة والوعظ المباشر. الغرب يحتاج للغة العقل والبرهان، وبناء على هذا يحتاج لعقلية أمثال على عزت بوجوفيتش ومردا هوفمان، وليس لمن يحدثهم عن البدعة ودار الكفر ودار الإيمان. لابد أن يركز الخطاب الديني المعاصر على لغة التواصل والحوار، ومحاولة فتح نوافذ في الجدار الصلد للميديا ودوائر صنع القرار في الغرب، الذي تتغلغل فيها رؤية نمطية مشوهة ومعيبة عن الإسلام تمتاح من تاريخ طويل من العداء الغربي للإسلام تعود للقرن الثامن الميلادي منذ أعلنت الكنائس المسيحية أن الإسلام هرطقة انشقاقية، وبحلول عام 778 كان العداء اللاهوتي في الغرب ضد الإسلام أخذا في الانتشار مع بدايات ظهور مفهوم الكنيسة باعتبارها جيشا يعسكر على أرض العالم المسيحي. وفي مقابل هذه الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام عمدا، تم تجاهل موقف المسلمين الحضاري مع الأقليات من أهل الكتاب من المسيحيين واليهود الذين عاشوا كجزء من نسيج المجتمع الإسلامي، يتمتعون بكافة حقوقهم، وهذا ما أكد عليه تشيلدز، حينما أكد على أن فزع الغرب من الإسلام في غير محله، فقد عقد مقارنة بين موقف المسلمين أثناء الفتوحات الإسلامية في أوربا، وبين موقف الغرب حينما دخلوا القدس وأعملوا سيوفهم في المسلمين واليهود

30 الإسلام كعدو إن اختبار الإسلام كعدو للأيديولوجية الغربية في أحدث صورها وهي الإمبراطورية الأمريكية المؤدلجة على يد مجموعة من صناع القرار من أنصار اليمين المتطرف أيديولوجيا وفكريا ودينيا، والذي يضم في معطفه كافة ألوان الطيف المعادي للإسلام من أنصار الكنيسة الإنجيلية واللوبي الصهيوني ولوبي شركات المال والسلاح والنفط يسيطرون على صنع القرار في الكونجرس، كما أنهم وثيقي الصلة بصنع القرار في البيت الأبيض والبنتاجون. هؤلاء جميعا وجهوا منذ أوائل التسعينيات مراكز البحوث لدراسة الإسلام كعدو – جديد – محتمل يحل محل العدو القديم الذي سقط الاتحاد السوفيتي، وعلى هذا تم تصوير الإسلام كعدو أخضر بديلا للعدو الأحمر. جملة القول، إن "نظرة على الإسلام" كان العنوان الرئيسي الذي احتل لفترة غير قصيرة ماضية – وربما مثلها قادمة – أولوية جدول الأعمال لكثير من الدوائر السياسية والحلقات البحثية والمؤسسات الإعلامية في الغرب. ولم يكن الهدف من وراء هذه النظرة التعرف على الإسلام كدين وعقيدة، بقدر ما كانت تقويم حركة الإحياء الإسلامي التي اجتاحت كثيرا من بقاع العالم الإسلامي في العقدين الماضيين، بعدما ظلت عقودا تحتدم تحت السطح، ولم يكن التقويم مقصودا لذاته، وإنما بغرض اختبار صلاحيته في أن يكون عدوا جديدا يحل محل العدو الذي سقط، وفي أن يكون آخر يمكن به تعريف الذات، بعد أن ذهب الآخر الذي ظلت الذات به معرفة لسبعة عقود متواصلة أي الاتحاد السوفيتي.

31 الصهيونية وإزكاء روح العداء
وفي هذا السياق لا يمكن إغفال أعمال برنارد لويس ومدرسته التي تزكي روح العداء للإسلام، وترسم الإسلام كعدو يسعى لفرض سيطرته على الغرب، ومد نفوذه في داخل أوربا، وهو ما تجلى في عمل العديد من أعماله مثل الإسلام والغرب، والاكتشاف الإسلامي لأوربا، كما أنه هو الذي زكى مقولة صراع الثقافات، ويعد الأب الروحي لأمثال صموائيل هينتجتون صاحب كتاب صراع الحضارات. والذي تنبأ فيه منذ أوائل التسعينيات حينما نشر كبحث لأول مرة في مجلة فورن إفرز عام 1993م قبل أن يطوره لكتاب بنفس العنوان عام 1996م بأن الصراع بين الأمم هو صراع حضارات، والمرحلة المقبلة ستكون حلقة جديدة من الصراع الحضاري، ويرشح الحضارة الإسلامية كمركز للصراع مع الغرب. وذلك على اعتبار أن الوعي بالانتماء الحضاري يبدو أوضح ما يكون الآن في البلدان الإسلامية والتي تتمسك شعوبها بثقافتها الموروثة. فهناك موقف سياسي واقتصادي وفكري غربي يروج لمقولة ضرورة التصدي لما تعتبره الخطر الزاحف من الشرق في اتجاه الغرب والشمال، وهذا الموقف العدائي في حقيقته امتداد لموقف غربي ممتد عبر أكثر من ألف عام تم تصوير الإسلام فيه بصور مشوهة كعدو يمثل تهديدا حقيقيا للغرب وللإنسانية. فيما عرف بظاهرة الإسلام فوبيا ورهاب الإسلام وأخيرا الفاشية الإسلامية.

32 صراع الحضارات وعلى الرغم من تعدد الأصوليات الناشئة عن ذلك الإحياء الديني العام، وازدياد وعي الشعوب بانتماءاتها الحضارية، فقد تم تسليط الضوء على الأصولية الإسلامية كظاهرة بشكل خاص لدى المفكرين الغربيين لتحقيق الهدف من تصوير الإسلام، كمصدر للتهديد لتدعيم مقولة أن الإسلام هو العدو البديل الذي يهدد الغرب، وتأكيد على الصراع عبر الخط الفاصل بين الحضارتين الإسلامية والغربية على مدى 1400عام. وإذا كانت الأصولية تعني العودة للأصول، فإنها اكتسبت في الفترة الأخيرة معنى مغايرا تماما لحقيقتها.. فبات يقصد منها في اللغة الفرنسية، وحتى في اللغة العربية معنى التطرف أو الانغلاق. فالأصولي هو كل من يرفض التطور والانسجام مع المدنية الحديثة مفضلا الرجوع إلى التراث مكتفيا به عازلا نفسه عن العالم حال صاحبنا بن طفيل في جزيرته المعروفة. وقد لعب الإعلام الغربي دورا بارزا في تشكيل رؤية غربية للإسلام السياسي، ونفخ كثيرون من القائمين عليه في النيران حتى تكون بالفعل رأي عام، بات يعتقد بأن الإسلام هو هاجس العصر، ومصدر الخطر والتهديد القادم. والإمبراطورية الأمريكية حاملة لواء العداء للإسلام، تحت ستار الحرب على الإرهاب، وزعيمة المعسكر الغربي وممثلته بسياستها الفاسدة، صنعت أعدائها في العالم الإسلامي، بدعمها المستمر للنظم القمعية وتحالفها الدائم واللامحدود مع إسرائيل، مما وسع من دائرة السخط والعداء لها في العالم الإسلامي

33 عداء الإسلام للديمقراطية
وتردد خلف برنارد لويس - من مقال له في اتلانتك مانثليأن طبيعة الإسلام وتاريخه، والعلاقة بين الإسلام والسلطة الزمنية، لا تجعل الديمقراطية والإسلام رفيقين طبيعيين، ويفسر ذلك بقوله: بأن الإسلام اتسم خلال التاريخ بالافتقار لأي اعتراف قانوني بالشخص الاعتباري، أو الشخص القانوني، وهو جوهر المؤسسات النيابية المجسدة في القانون الروماني. ويصف لويس الدولة الإسلامية، بأنها دولة ثيوقراطية، ليس بالمعنى الغربي لدولة تحكمها الكنيسة والكهنة، حيث لا يوجد أي منهما في العالم الإسلامي، ولكن بالمعنى الحرفي لدولة يحكمها الله، ومن ثم فإن المسلمين الأتقياء يؤمنون بأن السلطة التشريعية تأتي من الله وحده. وحيث إن الحاكم يستمد سلطته من الله والقانون المقدس، وليس من الشعب، فإن تحدي سلطته مماثل لتحدي سلطة الإله. وربما لهذا التعارض بين الإسلام وقيم الديمقراطية والليبرالية الغربية، فإن أمريكا رغم اعترافها بالاسلام كدين عظيم، أنتج حضارة ملهمة تعلم منها الغرب الكثير، لكن قيام دولة إسلامية في القرن الحادي والعشرين في الشرق الأوسط في الدول غير المتجانسة إثنيا وقبليا ودينيا، وعلى النحو الذي يتبناه دعاتها، أمر لا يتفق ببساطة مع القيم والحقائق التي يؤمن الأمريكيون، ومعظم الغربيين حاليا بأنها بديهية بذاتها.

34 التجـديـد والآخــر يحتل الآخر مكانا مركزيا في الخطاب الإسلامي، منذ نشأته، وحتى وقتنا الحاضر. لكن هذا الآخر اختلفت صورته وحضوره من عصر لآخر حسب طبيعة الزمان وظروف المكان. فالآخر تجلى في الأصول الإسلامية من خلال القرأن والسنة، باعتباره مخالفا يجب التعامل معه وفق منهج محدد باعتباره إنسان، فقد أمر القرآن الكريم أن يقوم هذا الحوار على أساس الحسنى. وعبر التاريخ كان الآخر موجودا بصورة أو بأخرى في المجتمع الإسلامي، كجزء من مكوناته ممثلا في أهل الكتاب الذين عاشوا في المجتمع الإسلامي، أو كان وجوده كعدو وخطر خارجي يتربص بالأمة الدوائر كما تمثل ذلك في الحروب الصليبية وحروب التتار والاستعمار الغربي الحديث، بمعنى آخر كان الآخر حاضرا بصورة مستمرة في التاريخ الإسلامي وفي الواقع العملي للمجتمع المسلم. لكن صورة الآخر اختلفت بشكل جذري في خطاب التجديد في العصر الحديث، نتيجة لعوامل جوهرية لا يمكن تجاهلها، فأصبح هذا الآخر هو النموذج الذي يجب علينا أن نحذو حذوه ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وعلميا، ودون مبالغة كان للآخر دور غير منكور في تشكيل العقل المسلم في العصر الحديث، كما كان له دور بارز في تشكيل خطاب التجديد الديني في العصر الحديث، سواء بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة.

35 حاجتنا إلى الآخر فلا يمكن لباحث منصف متابع للخطاب الديني في العصر الحديث منذ رفاعة الطهطاوي، وربما قبله إنكار الحضور القوي للآخر الغربي في خطاب التجديد الفكري والديني، وربما يعود ذلك لصدمة اللقاء الذي تم بين العالم العربي والإسلامي، في بداية القرن التاسع عشر، وبين أوربا وهي في أوج توهجها وقوتها السياسية والفكرية ممثلة في حملة بونابرت على مصر التي فجأة المجتمع العربي والإسلامي آنذاك وهو يعيش في القرون الوسطى بكل تجلياتها الفكرية والسياسية والاجتماعية. وربما هذا ما دفع الشيخ حسن العطار إلى أن يعبر عن ذلك بعبارة دالة في مضمونها وهو يوصي تلميذه رفاعة الطهطاوي عشية سفره لباريس إماما للبعثة بضرورة الوقوف على سر تقدم المجتمع الغربي للإفادة منه في تطوير مجتمعنا بقوله: "إن بلادنا لابد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها وبناء عليه كان الحضور الواعي للغرب في خطاب التجديد حضورا قويا وفعالا منذ ذلك الحين، واستمر حتى وقتنا هذا بصور مختلفة، وذلك أن الشعور بالضعف تجاه الغرب كان كامنا بصفة دائمة في عقل المفكر المسلم وهو يدشن خطاب التجديد، يسير على هداه، ويستلهم مصطلحاته، ويشخص ببصره نحوه وهو يعالج قضايا واقعية في المجتمع العربي والإسلامي.

36 تيارات التجديد ويعد التجديد في الفكر الإسلامي هاجسا يؤرق العديد من الباحثين، الذين عكفوا على موضوع دراسة هذا الفكر، منذ نشأته ورصد جهود المفكرين الذين اهتموا بتجديده، خصوصا في العصر الحديث والمعاصر، والذي يربطها بعض الباحثين بحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالجزيرة العربية، والتي كانت ثورة على تكريس العادات والتقاليد وروح الجاهلية، التي أطلت بوجهها من جديد في مجتمع الجزيرة العربية وبناء عليه يرى هذا الفريق من الباحثين، أن قضية التجديد في الفكر الإسلامي دفعت إليه عوامل داخلية محضة من داخل البيئة والمجتمع الإسلامي، وهو أمر ركز عليه أديب العربية الكبير أبو فهر محمود محمد شاكر، في رسالته عميقة المعاني والدلالات رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، والتي حملت رؤية مغايرة لكثير من المألوف والمعتاد والمكرور في حياتنا الفكرية وهذه الرؤية تتناقض مع رأي من يرى أن نهضة الأمة تعود للحملة الفرنسية على مصر التي هزت المجتمع العربي النائم والذي كان يحتاج لهزة قوية ليفوق من ثباته العميق وحاول فريق آخر الربط بين الأمرين معا فذهب إلى أن العاملين الداخلي والخارجي اجتمعا لتحريك المخلصين من أبناء الأمة للوقوف على عوامل الضعف وحث الأمة على النهوض من جديد

37 السلفية بين التقليد والتجديد
لقد دخلت أمتنا العربية والإسلامية في دور من الجمود والتقليد، استمر فترة طويلة استغرقت تقريبا ثلاثة قرون أو يزيد، مال فيها العلماء إلى التكرار والتقليد والنقل عن أعلام المذهب ورجاله، فظهرت الشروح والحواشي والتعليقات، وقل التجديد والابتكار وشاعت المقولات التي تدعو للتواكل والاكتفاء بما قال السابقون، مثل مقولة أن باب الاجتهاد قد أغلق، ومقولة أن السابق لم يترك للاحق شيئا، وقد بدأت حركة التجديد في الخطاب الديني نتيجة لإحساس داخلي حرك بعض نبهاء هذه الأمة، لمصير غامض يتهددها، فسعى لتجديد الخطاب الديني ورد الناس لأصول الإسلام ردا جميلا، وعادة ما يشير الباحثون لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية قبل نهاية القرن الثاني عشر الهجري، لكن في واقع الأمر فقد تزامنت مع حركة بن عبد الوهاب، وربما سبقتها كثير من الحركات الإسلامية، التي سعت إلى بعث وإحياء الخطاب الديني، ليزاول نشاطه من جديد في حياة الأمة الإسلامية وربما تعود شهرة حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كأول حركة تجديدية في الخطاب الديني الحديث، إلى أنها لاقت نجاحا شديدا حينما وجدت النفوذ السياسي والسلطان القوي الذي يحمي أفكارها ويدافع عنها، في مقاومة البدع والخرافات التي لحقت بالعقيدة الإسلامية آنذاك، حتى قيل أنه وجد من عبد الحجر أو الشجر في تلك البيئة.

38 أصول الحركة السلفية وقد قامت تلك الحركة مستندة على منهج السلف، الذي يعتمد أساسا على النص، ويرفض التأويل العقلي للنصوص، ويسير في ذلك على منهج علماء الحديث في الأساس، وخصوصا الإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام بن تيمية، رافضا ما عداه من المناهج العقلية والذوقية مخطئا جميع الفرق بلهجة شديدة، تركت آثارها واضحة على الحركة السلفية بأثرها، فورثوا عنه شدة في مهاجمة الخصوم وتبديعهم وتفسيقهم والوقوع فيهم. وقد سعت حركة الشيخ بن عبد الوهاب إلى إحياء الفكر الحنبلي من جديد، كما كان له الفضل في إعادة اكتشاف فكر بن تيمية ونشره على نطاق واسع والدوران حوله وفي فلكه، لدرجة أنه حسب الإحصاءات التي صدرت عن الملكة العربية السعودية، فإن أكثر من 75% من شهادات الدكتوراه في السعودية في مجال الخطاب الديني، وليس من قبل المبالغة في شيء إذا قلنا أن معظمها كان يدور مع ابن تيمية، ووصل الأمر ببعض هؤلاء أن أضفوا نوعا من القداسة على شيوخهم، ونسوا أن كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد، إلا الأنبياء باعتبارهم معصومين من قبل الله، وأنهم يوحى إليهم من قبل السماء. وقد جرت العادة على إطلاق لفظ السلف من قبل كثير من الباحثين على مدرسة التجديد في الخطاب الديني، التي تلتزم بأصول المذهب الحنبلي وخصوصا حركة الشيخ بن عبد الوهاب، والحركات التي تأثرت بها، حتى صار لقب السلفية لصيقا بهذه الحركات دون غيرها من المذاهب والمدارس الإسلامية. ومهما قيل من تبريرات وسيقت من أدلة لتبرير ذلك، فإننا لا نوافقهم على هذا التحديد الذي يعني فيما يعنيه، تميز هذا المذهب وتفضيله على سائر المذاهب

39 مصطلح السلف فالسلف بصفة عامة لفظ يقصد به من مضوا من الأجيال السابقة من أبناء هذه الأمة عبر عصورها المختلفة دون تمايز بينهم ولا تفضيل كما أنه منذ العصر الأول للإسلام وحتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وجد من يميل إلى النزعة العقلية كما كان يوجد من يميل اتجاه ذوقي روحي ومن كان يميل إلى الإتباع والتقليد والتمسك الحرفي بالنص لأن الله عز وجل قد خلق البشر متمايزين بعضهم عن بعض لكل فرد منهم منهجه في فهم النص واتجاهه النفسي أو العقلي الذي يختلف عن الآخرين حكمة من الله وكل ميسر لما خلق له. وإذا كان بعض الباحثين في العصر الحاضر قد خص هذا المصطلح أو اللفظ – السلف- بطائفة معينة لهدف ما يعلمه الله، فإن فريقا آخر وخاصة من العلمانيين والماركسيين قد استخدمه بمعنى الذم والانتقاص، فكثيرا ما نقرأ عبارات حركات سلفية أو فكر سلفي، ويقصد به أنه فكر رجعي أو متخلف أو جامد في مقابل أنصار الفكر العصري التقدمي الحر. وكثيرا ما يصرح بعضهم بذلك فيذكر انه فكر سلفي جامد ومتخلف، دون تمييز بين مدرسة أو أخرى من مدارس الفكر الإسلامي. وهذا الانتقاص والنظرة الدونية لهذا المصطلح، تعود إلى أن هذه الطائفة، نقلت هذا الاستخدام دون وعي حقيقي بمضمونه عن الغرب الذين يستخدمون هذا المصطلح فعلا بمعنى الفكر القديم وخاصة في عصور الظلام .

40 محمد عبده ونموذج التجديد الاجتماعى
لقد شعر العديد من المخلصين من أبناء هذه الأمة، بمدى أزمة الخطاب الديني وحاجته إلى التغيير، وحاجة الأمة إلى الإصلاح، وواقع الأمر أن موضوع النهضة والتغيير في العالم العربي والإسلامي اتسع لكل أنواع التجارب، فمنها من ربط بين الإصلاح والعودة للقديم، أو من ربط الإصلاح بالتجديد أو بإحياء الحماس الديني بين الجماهير، أو بضرورة مجاراة الحضارة الأوربية. وفي واقع الأمر فإن هؤلاء الرواد جميعا يشتركون رغم اختلاف مشاربهم الفكرية، في الدعوة إلى ضرورة تجديد الفكر الإسلامي بالعودة إلى منابعه الأولى، ممثلة في المصادر الأساسية للتشريع القرآن والسنة، كثوابت لابد من الارتكاز عليها والانطلاق من خلالها، والاجتهاد في ضوئها من أجل إصلاح واقع الأمة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويعد هذا الأساس العقلي لدى زعماء الإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث، أمرا طبيعيا وذلك لأن الإسلام دين عقلي، فهو يدعو للعلم والتفكر والنظر والتدبر، فالقرآن الكريم في المقام الأول خطاب عقلاني مع الذات الإنسانية، ومع أشرف ما في الإنسان وهو العقل، فالخطاب القرآني خطاب عقلاني والجدلية المركزية في هذا الخطاب هي جدلية بين المعقول واللامعقول.

41 مكانة العقل عند محمد عبده
وقد بلغت النزعة العقلية في خطاب النهضة ذروتها عند الإمام محمد عبده في دعوته الجريئة إلى جعل العقل معيار في الشئون الدينية، وذلك عند حديثه عن الأصول التي ينبني عليه الإسلام، فيجعل من العقل وسيلة لتحصيل الإيمان الصحيح، ويقدم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض، وفي ضوء هذه الدعوة يجاهر بأن الإسلام لا يعوق التقدم ولا يتنافى مع العلم ولا يتعارض مع المدنية. وقد كانت فتاويه شواهد على رد المعايير إلى منطق العقل، خصوصا في القضايا الحديثة التي لم يعهدها الفكر الإسلامي من قبل، وهذه الأسس العقلية التي دعا إليها محمد عبده والتي ظهرت من بعده قوية، بفضل تأثيره في الحياة الاجتماعية والفكرية في المجتمع المصري الحديث، تنبع من نفس التوجه الذي سارت فيه المدارس العقلية في تراثنا، كالمعتزلة وغيرهم الذين عولوا كثيرا على العقل، وقدموه على النص عند التعارض، وأولوا النص الديني ليتفق مع العقل. لقد كان محمد عبده بحق رائدا في تجديد الخطاب الديني، على هدي وضوء المنهج العقلي الذي اتخذه إماما ومرشدا في منهجه لتجديد وإصلاح الفكر الإسلامي والمجتمع المصري، ولهذا كان من أنصار الاجتهاد وعدوا للتقليد، وقد اتخذ من العقل هاديا في تأويل المتشابهة من آيات القرآن الكريم، وفي بحث القضايا الدينية وفي معالجة القضايا السياسية والمشكلات الاجتماعية، التي تستجد في حياة الناس

42 قضية الحرية في الفكر الإسلامي الحديث
فمنذ رفاعة الطهطاوي حدث تطور ملموس في تناول قضية الحرية في فكرنا الحديث والمعاصر، تطور نابع من تجربة الرجل التي تعد فاصلة بين مرحلتين في تاريخنا، تجربة تفصل - وكأنها جدار عازل - ما بين العصور الوسطى والعصر الحديث. شخصيات ساهمت في تطوير قضية الحرية :شخصيتين ساهم كل منهما في بلورة وتطوير تلك القضية في فكرنا الحديث والمعاصر: أولهما: رائد الفكر الحديث في مصر والعالم العربي الشيخ رفاعة الطهطاوي. والثاني: الشيخ عبد المتعال الصعيدي الذي أولى عناية خاصة لقضية الحرية الفكرية والدينية. دراسة قضية الحرية من خلال :المحور الأول: تناول قضية الحرية من خلال مجموعة أعلام في فكرنا الإسلامي والحديث ساهموا في تطور مدلول الحرية وتثبيت معناها وتكريس دعائمها في المجتمع. وهذا ما عالجناه من خلال مدخل تناولنا فيه تاريخ قضية الحرية في مصر الحديثة والمعاصرة، من خلال مجموعة من الأعلام الفكر. المحور الثاني: من خلال تحليل قضية الحرية وتطور مدلولها في فكرنا الحديث والمعاصر. من خلال التعامل بواقعية مع قضايا العصر مثل قضية الحرية الدينية والفكرية، وقضية حرية المرأة، والحرية السياسية، وغيرها من القضايا التي سوف نتناولها في مظنها من البحث

43 الحرية والوعي بالذات الحرية هي لحظة وعي بالذات ينتج عنها تغيير حقيقي في حياة الإنسان فردا كان أو مجتمعا وقد تحققت في فكرنا الحديث مرتين:- الأولى: على يد محمد علي والي مصر الذي استطاع نتيجة إيمانه بالحرية كإرادة واختيار والثانية: على يد محمد عبده الذي آمن بحرية الإنسان في العدل والمساواة، وفي الحقوق والواجبات، وأولى هذه الحقوق حق المعرفة للخروج من حالة التخلف الحضاري، وامتلاك أدوات العلم والمعرفة، باعتبارها شروطا أولية للحرية لا تتحقق إلا بها.

44 الشيخ رفاعة الطهطاوي إمام البعثة : وكان الشيخ رفاعة هو العقل الواعي، لتجربة محمد علي في التحديث الفكري والاجتماعي، واضطلع بدور رائد التحديث العربي دون منازع . أثمرت جهود الشيخ رفاعة في المجتمع المصري في مجال التنمية الفكرية والاجتماعية آثارا عظيمة، فدعا إلى تعليم البنات وكان عضوا في لجنة أنشأ المدارس لنشر نور العلم والمدنية، كأهم شروط الحرية، ودعا إلى ما يمكن أن نسميه حوار الحضارات، وضرورة النظر للآخر من منطلق جديد، بنظرة تقوم على معيار التقدم والتمدن، بدلا من منطلق الإيمان والكفر .

45 رؤية الشيخ الصعيدي عن الحرية الفكرية والدينية
ذهب إلى أن الإسلام جاء ليؤكد على الحرية، التي حولها بعض الحكام لاستبداد، وذهب علماء السوء لتبرير هذا الاستبداد، الذي يتناقض صراحة مع جوهر الإسلام، الذي جاء لتحرير الإنسان من القيود التي تعوق مسيرته وحريته، كمخلوق حر له حريته الكاملة في التعبير عن رأيه وفكره، وفي حريته في اختيار دينه، كما له حريته في اختيار حاكمه، وفي نقده ومعارضته متى ثبت له خطأ الحاكم أو من يمثله، دون قيد أو شرط يهدد حياة الإنسان.

46 قضية الحرية عند الطهطاوى
إن بلادنا لابد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من العلوم والمعارف ما ليس فيها. أخذ يدعو قومه إلى الانفتاح على المجتمعات ويسفه من دعاة العزلة. ويرى أن هذه المخالطة بين المصريين وغيرهم من أهل الحضارة الغربية، من أهم إنجازات محمد علي، لأنها الداء الشافي والعلاج المعافي للداء الذي عانى منه العرب لعدة قرون. فالحرية عند الطهطاوي، لازمة أساسية لبناء مجتمع حديث، وذلك على اعتبار أن التمدن حسب تعبيره يبنى على ركيزتين أساسيتين هما: العدل والحرية. إعداد : زينب سيد عبدالعزيز

47 دور الدين في تمدن وعمران مصر
ويلعب الدين دورا أساسيا، كأحد أسباب التمدن والعمران في مصر منذ قديم الزمان. فالمصريون حاذوا أسباب التقدم عن طريق: تهذيب الأخلاق بالآداب الدينية والفضائل الإنسانية، وأهميتها في حفظ السلوك الإنساني من الرذائل والموبقات. فالدين الصحيح هو الذي عليه مدار العمل في التعديل والتجريح، فحقيق على العاقل أن يتمسك به، ويحافظ عليه متعبدا، فأدب الشريعة ما أدى الغرض، وأدب السياسة ما عمر الأرض، وكلاهما يرجع إلى العدل الذي به سلامة السلطان، وعمارة البلدان، لأن من ترك الغرض فقد ظلم نفسه، ومن خرب الأرض فقد ظلم غيره، وأظلم بالإساءة أمسه.

48 التمدن نوعين التمدن المادى :وهو التقدم في ما يحتاجه المجتمع في سائر شئون الفنون مما يسميه (المنافع العمومية) كالزراعة والتجارة والصناعة، وهي تختلف من بلد إلى آخر قوة وضعفا، طبقا للممارسة وهو أمر لا غنى عنه في عملية التقدم والتمدن. التمدن المعنوى :وهو التمدن في الأخلاق والعادات والآداب، وهو التمدن في الدين والشريعة، وبهذا القسم قوام الأمة المتمدنة التي تسمى باسم دينها وجنسها كالأمة العربية الإسلامية، وذلك لتميزها عن غيرها

49 نقد الطهطاوى للفرنسيين
"وقد أسلفنا أن الفرنساوية من الفرق التي تعتبر التحسين والتقبيح العقليين، وأقول هنا: أنهم ينكرون خوارق العادات، ويعتقدون أنه لا يمكن تخلف الأمور الطبيعية أصلا، وأن الأديان إنما جاءت لتدل الإنسان على فعل الخير واجتناب ضده. وأن عمارة البلاد وتطرق الناس وتقدمهم في الآداب والظرافية تسد مسد الأديان، وأن الممالك العامرة تصنع فيها الأمور السياسية كالأمور الشرعية. ومن عقائدهم القبيحة قولهم: إن عقول حكمائهم وطبائعييهم – يقصد علماء الطبيعة - أعظم من عقول الأنبياء وأزكى منها. ولهم كثير من العقائد الشنيعة، كإنكار بعض القضاء والقدر. وينتقد تحررهم من الدين فإنهم نصارى بالاسم فقط، فلا يعتنون بما حرمه دينهم أو أوجبه أو نحو ذلك، ويرون أن العبادات التي لا تعرف حكمتها من قبيل البدع والأوهام. وينتقد عدم زواج القساوسة ويعد ذلك نقيصة تزيدهم فسقا ينتقد ما يسمى بالاعتراف بالذنوب من العامة أمام القساوسة فيغفر له القس ذنوبه.

50 وعلامات التمدن ودلائل العظمة تقوم على ثلاثة ركائز هى
حسن الإدارة الملكية. (السلطة السياسية) السياسة العسكرية. (القوة التي تحمي الدول وتحفظ لها سيادتها) معرفة الألوهية. (الدين الذي ينظم حياة الناس على أسس من العدل والشورى)

51 ويقسم الطهطاوي الحرية إلى خمسة أقسام على النحو التالي:
الأول: الحرية الطبيعية: وهي التي خلقت مع الإنسان، وانطبع عليها كالأكل والشرب ... مما لا ضرر فيه على الإنسان نفسه ولا على أخوانه. الثاني: الحرية السلوكية: التي هي حسن السلوك ومكارم الأخلاق... وهي الوصف اللازم لكل فرد من أفراد المجتمع . والثالث: الحرية الدينية: وهي حرية العقيدة والمذهب، بشرط أن لا تخرج عن أصل الدين، كآراء الأشاعرة والماتريدية في العقائد، وآراء أرباب المذاهب المجتهدين في الفروع . والرابع: الحرية المدنية: وهي حقوق العباد والأهالي الموجودين في مدينة، بعضهم على بعضوان كل فرد من أفرادهم ضمن للباقين أن يساعدهم على فعل كل شيء لا يخالف شريعة البلاد قانونها ، وأن لا يعارضوه . والخامس: الحرية السياسية: أي الدولية- نسبة إلى الدولة – وهي تأمين الدولة لكل أحد من أهاليها على أملاكه الشرعية المرعية، وإجراء حريته الطبيعية بدون أن تتعدى عليه في شيء منها .

52 تعقــيب واضح في حديث الطهطاوي السابق عن أقسام الحرية تأثره الواضح بفكر التنوير الفرنسي، ففي حديثه عن الحرية السياسية مثلا يتضح في حديثه عن العقل باعتباره مصدر للحرية والفعل. كما أن حديثه عن النوع الخامس وهو ما سماه الحرية السياسية قصد بها حرية سياسة الإنسان لنفسه في تصرفه في شئونه الخاصة، وهي ما يمكن ان نسميها حريته في تدبير شئونه الاقتصادية. والحرية تستلزم المساواة بين المواطنين في جميع الحقوق والواجبات، لكن ليس معنى هذا أن يأخذ إنسان ما لا يستحقه، فكل إنسان حسب قدراته وإمكانياته، فالمساواة تدعم الحرية بين أفراد المجتمع. وبناء عليه "فإن حريتهم توضع على أساس متين، وتكون مملكتهم راسخة القواعد، لا يعتريها الخلل من بين يديها ولا من خلفها.

53 حرية المرأة عند الطهطاوى
الأصل في الخطاب الديني قرآنا وسنة أنه موجه للرجال والنساء على السواء، بدءا من تقرير الكرامة الإنسانية إلى تقرير المسئولية الجنائية، وعلى الرغم من وجود فوارق محدودة، فإن الأصل هو المساواة، والفوارق استثناء من هذا الأصل، وأنه لمن الخطأ والعدوان على شرع الله أن يضيع هذا الأصل. ويرى الطهطاوي أن تعليم المرأة مما يزيدها أدبا وعقلا، ويجعلها أهلا للمعارف، وتصلح لمشاركة الرجل في الكلام والرأي فتعظم مكانتها عنده. كما يمكنها التعليم من مزاولة العمل كالرجل سواء بسواء، بحسب قدرتها وطاقتها، وهذا أفضل لها من البطالة فتنشغل بالأباطيل والثرثرة حول سيرة الناس. ويلمح الطهطاوي إلى جانب نفسي مهم في حرمان المرأة من حقها في التعليم وهو الغيرة من جانب الرجل في أن تظهر مواهب المرأة وخصائصها. وقد جاهد كثيرا في رد أفكار أنصار الفكر المغلق نحو حق المرأة في التعليم والعمل، متأثرين بالعادات والتقاليد التي سيطرت وترسخت في المجتمع المصري في العصرين المملوكي والعثماني، ونسبت زورا وبهتانا إلى الإسلام.

54 المرأة والسياسة العليا
أمثلة تولت الحكم فى مصر بلقيس ملكة سبأ،والزباء بنت عمر ملكة اشتهرت بالقوة والحزم عند العرب قبل الإسلام، وكيلوباترا ملكة مصر، وشجرة الدر التي حكمت مصر وغيرهن من النساء عبر الأمم. النساء من قديم الأزل في مصر رئيسات منازلهن، يسسن أمور المنزل دون مشاركة الرجل، من تدبير شئون البيت إلى تربية الأبناء، رغم أن العقل والطبع لا يوافقان على ذلك لما فيها من ضعف، فيكتسب الأولاد منهن قلة الشهامة، وعدم التعود على الشجاعة. لكن العقل والطبع لا يمنعان المرأة من تولي الحكم والرئاسة، لأن ما فيهن من ضعف، هو الذي يكسبهن الرفق والرحمة والحلم وكل ما يليق برتبة الحكم والرئاسة من خصائص تقوم على الرأفة والشفقة بالرعية، وهي امور لصيقة بطبع المرأة، بعكس الرجل الذي يتصف بالشدة والعنف والجبروت وغيرها من الخلاق الجافية التي هي لصيقة بالرجل، وهي صفات لا تليق بالملوك في تأليف قلوب الرعية، ومن ثم فلا موجب لحرمان النساء إذن من توليها نظام الحكم والرئاسة، خصوصا وقد أثبت كثير منهن حكمة ونجاحا في حكمها وتميزن بمآثر وأحسنت في حكمها.

55 رأى الطهطاوى في تولية النساء للحكم والخلافة
وأما السلطنة الرسمية على الرعية – يقصد للنساء - فهي لا تكون إلا في البلاد التي قوانينها محض سياسية وضعية بشرية، لأن قوانين مثل هذه الممالك، تنتج اختلاط الرجال بالنساء، بناء على قانون الحرية المؤسس عليه تمدن تلك البلاد، وإلا فتمدن الممالك الإسلامية مؤسس على التحليل والتحريم الشرعيين، بدون مدخل للعقل تحسينا وتقبيحا في ذلك، حيث لا حسن ولا قبيح إلا . ولا يسوغ لمتولي الأحكام أن يحكم في التحريم والتحليل بما يلائم مزاجه، مما يخالف الأوضاع الشرعية المنقولة عن الأئمة المجتهدين، ولا عبرة بالاستكراه النفساني، والاستحسان الطبيعي، والأخذ بالرأي من غير دليل شرعي، بل يعتمد متولي الأحكام على فتاوى العلماء وأقوال المجتهدين في الدين، فإن الإمامة إنما تخلف النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.

56 الصعيدي ومدرسة الإصلاح
والصعيدي كما يتضح من أعماله تلميذ أصيل في مدرسة محمد عبده، سار على نهجه في تجديد الفكر الإسلامي الحديث، وفي مواجهة تحديات الواقع العملي، غير عابئ بالصعوبات ولا التهم التي توجه إليه من قبل خصومه الذين أنكروا عليه حقه في الاجتهاد، وهذا ما قرره أحد أساتذة الأزهر الكبار الذي كتب تقرير إجازة نشر كتاب الصعيدي "الحرية الدينية في الإسلام" . ومدرسة محمد عبده الذي كان الصعيدي أحد رجالها المميزين سعت إلى التوفيق بين أصول الإسلام وبين الواقع، وبالتالي أفسحت الباب أمام العقل لكي يتعامل بحرية مع النص الديني وهي مدرسة مستقلة بالفكر والنظر، ثم بالعمل في مجال الإصلاح، وهذا ما يميزها بمذهب بين مدارس الفلسفة الإسلامية، فلا يتيسر ضمها إلى طائفة منها تسمى باسمها، وبذلك تنفصل هذه المدرسة، عن سائر المدارس في تراثنا. ويتناول الصعيدي قضيتي حرية الفكر والحرية الدينية في الإسلام، وكل منهما عنوان كتاب من كتبه. وسوف نعرض لهاتين القضيتين كل على حدة، ونبدأ بالحديث عن حرية الفكر في الإسلام.

57 حرية الفكر تشمل ثلاثة أنواع من الحريات :
حرية الفكر عند الصعيدى حرية الفكر تشمل ثلاثة أنواع من الحريات : الحرية العلمية. الحرية السياسية. الحرية الدينية.

58 مصطلح الحرية الحرية العلمية: عبارة عن إطلاق سلطان العلم فوق كل سلطان، لأنه يعتمد في سلطته على العقل، وقد خلق الله العقل ليميزنا به على جميع مخلوقاته، فإذا أهملنا الاعتماد عليه، لم يكن هناك معنى لخلقه فينا. الحرية السياسية: هي عبارة عن احترام رأي الفرد في التعبير عن ذاته، بحيث لا تضيع شخصيته في شخصية الحاكم، بل يكون لرأيه سلطان، فيما يراه ولو تعلق بشخص الحاكم نفسه، فيكون له الحق في معارضة اختياره ابتداء في إسناد الحكم إليه، وفي نقد أعماله بالوسائل النزيهة في النقد. الحرية الدينية: هي عبارة عن حق الإنسان في اختيار عقيدته الدينية، فلا سلطان لأحد من الناس عليه فيما يعتقد، فهو حر في أن يعتقد ما يشاء أو لا يعتقد في شيء أصلا، كما أن له الحرية في إذا اعتقد في شيء أن يرجع عن اعتقاده، وله أن يدعو من يشاء إلى اعتقاد ما يعتقد في حدود ما تبيحه حرية الاعتقاد من الدعوة إلى ما يعتقد بالتي هي أحسن.

59 الحرية الفكرية والحرية الفكرية في مأمن من العقاب الدنيوي، مالم يصل إلى شيء من التعسف والإعنات، وذلك أن الجزاء الدنيوي الطبيعي الذي سنته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية شرعت العقاب الدنيوي لردع الجرائم التي تفسد المجتمع كالقتل والسرقة لتطهير المجتمع منها، وتقليل الشرور بفرض عقوبات دنيوية رادعة. ومن ثم فالحرية الفكرية بكافة أنواعها في مأمن من العقاب الدنيوي، لأنه يجب فتحه على مصرعيه، أمام رواد الخير ليصلوا بأفكارهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة فلا خوف منه على المجتمع، لأنهم إذا أصابوا فبفضل الله، وإذا وقعوا في خطأ كانوا معذورين فيه، فلا يصح عقابهم بشيء. فلا يجوز لحاكم أن يتعسف بالتضييق على الناس في باب الحرية الفكرية، لأن الدين بريء من هذا التعسف، الذي يضعه الحكام في شكل قوانين لحماية استبدادهم وطغيانهم، ويمنعوا الناس من نقد الظلم والاستبداد.

60 حرية الاجتهاد ولا يؤثر الجزاء الأخروي في الحرية الفكرية، لأن حرية الفكر في حقيقة الأمر مرتبطة بالجزاء الدنيوي، حيث أن الجزاء الأخروي ليس إلا مجرد ترغيب في الثواب، وتحذير من العقاب، فلا إلزام فيه، ولا إكراه بعقاب دنيوي. وعلاوة على هذا، فإن الإسلام لا يغلق باب الاجتهاد على الناس، والمجتهد لا أثم عليه لكن المشكلة أن المجتهد إذا وصل خطئه لحد الكفر بإنكار أصل من الأصول الدينية المعلومة بالضرورة كالإيمان بالله من العقائد، أو وجوب الصلاة من الفروع العملية لا يعذر عند الجمهور. وتبدو سعة أفق الصعيدي وانفتاحه على جميع المذاهب والمدارس الإسلامية، دون موقف مسبق، حينما يستشهد برأي الجاحظ والعنبري من المعتزلة، بأنه لا أثم على المجتهد مطلقا، وإنما الإثم على المعاند الذي يعرف الحق ولا يؤمن به استكبارا، فالمجتهد المخطئ غير آثم عند هذا الفريق من المعتزلة حتى لو أداه اجتهاده إلى الكفر الصريح.

61 العقل أصل الإيمان يتعرض الصعيدي لقضية شغلت حيزا كبيرا عند المتكلمين وهي قضية العقل والإيمان، ويسير على درب رائد التجديد الفكري الإمام محمد عبده، في التأكيد على مكانة العقل في تقرير قضايا الإيمان. وهذا ما عرف في تراثنا ولدى المعنيين من أسلافنا بأن النظر العقلي هو أول واجب على المكلف، لأنه وسيلة الإيمان الصحيح، ولمكانة العقل في الإسلام ذهب بعض أهل السنة إلى "أن الذي يستقصي جهده في الوصول إلى الحق، ثم لم يصل إليه ومات طالبا غير واقف عند الظن فهو ناج . هذا النظر العقلي واجب شرعا وعقلا عند أسلافنا، فالأشاعرة ذهبوا إلى أن وجوبه النقل، وذهب المعتزلة إلى أن وجوبه العقل. من حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعل الإسلام بصفته خاتم الأديان، يقوم في حجيته على الناس على النظر العقلي والتفكر، وليس على المعجزة الحسية التي أتى بها الأنبياء السابقون

62 الإسلام والعلم من الطبيعي أن يدعو الإسلام الذي تقوم دعوته في الأساس على التفكر والنظر العقلي إلى العلم، وذلك لأن التفكر نتيجة طبيعية للعلم والمعرفة. والغرض الذي من أجله يدعو الإسلام إلى العلم هو نفس الغرض الذي يدعو للتفكر، كما أن الغاية واحدة من الاثنين، فالعلم يطلب لأنه يوصل إلى الإيمان بالله تعالى، والعلماء هم الذين يصلون به للإيمان وليس الجهلاء. وبناء عليه فالعلم كالتفكر مطلوب لذاته، سواء أوصل الإنسان إلى الإيمان بالله أم لا، والإيمان عن طريقه يتم بحرية واختيار، وهما شرط في صحة الإيمان. والحرية والاختيار لا يتحققا إلا إذا أخذ العلم طريقا مطلقا، وسار فيه الإنسان على هدي العلم ومنهجه فقط، فإذا وصل الإنسان من خلاله إلى الإيمان بالله فبتوفيق الله، وإذا لم يصل فيه إلى شيء فإنه أدى المطلوب منه، ولا يصح إكراهه على شيء، لأن الإكراه عكس الحرية والاختيار كشروط أساسية في العلم.

63 سلطان العقل على النقل وعلى نهج علماء الكلام في تقديم العقل على النقل عند التعارض وخصوصا المعتزلة ومن تابعهم على ذلك كمحمد عبده. الذي يسير الصعيدي على دربه، يؤكد أن الإسلام فتح باب الاجتهاد في الدين، فأعطى للعقل سلطانه على دليل النقل، يستنبط منه ما شاء من أمور الدنيا والآخرة، ويدخل فيه ما شاء من التأويل، ويخصص منه ما يشاء أو يعمم، وكذلك من التقييد والإطلاق، وغيرها من ضروب الاجتهاد، حتى يهيئه للحكم الذي يؤدي إلى ما اتفقا فيه من الغاية، وهو سعادة الناس في دنياهم وأخراهم، حتى لا يكون على الناس حرج في الدين، لأن الدين يسر، وليس بعسر، ولا تسهيل فيه ولا إعنات، وتسهيل وليس بإعنات وإسعاد وليس بشقاء. والحقيقة أن هذه القضية تعد من قبيل القضايا الهامة التي تناولها علم الكلام وأفاضوا فيها سواء عند حديثهم عن العقل وأصل التكليف، أو عند حديثهم عن التأويل، وهي قضايا ركز عليها الإمام محمد عبده في رسالة التوحيد وأولاها عناية خاصة، والصعيدي كتلميذ أصيل ومجتهد في مدرسة محمد عبده الفكرية يسير على نفس النهج من الاهتمام بالعقل وإبراز دوره كملكة إلهية ميز بها الإنسان عن سائر الكائنات وجعله مناط التكليف وأصل الإيمان.

64 الحرية السياسية وقد تناول الصعيدي قضية الحرية السياسية، كركن أصيل من أركان الحرية الفكرية، وحاول الربط بين الإسلام وقضايا الفكر السياسي والقانوني المعاصر، مثل أن الأمة مصدر السلطات، وحق الفرد في الاعتراض على الحكم، وحق الأقلية في المعارضة، برؤية عميقة وتوفيق غير مخل بين هذه الأفكار الحديثة والإسلام، بما ينبئ عن عمق ثقافته الإسلامية ووضوحها. وعن استيعابه للتحديات المعاصرة التي تحتاج إلى مزيد من الاجتهاد والمثابرة. لقد شغلت قضية الحرية السياسية في الإسلام المجددين منذ مطلع العصر الحديث، فشخصوا الاستبداد كمرض خطير يحول بين الأمة وبين حقوقها، وقد تأثر هؤلاء المجددون بالحرية السياسية في الغرب، وهو ما نلمسه عند الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده وغيرهم من المجددين.

65 الأمة مصدر السلطات لقد بدأ الشيخ الصعيدي حديثه عن الحرية السياسية بسؤال على النحو التالي: هل الأمة مصدر السلطات في الإسلام.؟ ويؤكد أن الجواب على هذا السؤال يتوقف عليه نصيب الأمة ونصيب كل فرد من أفرادها في الحرية السياسية. ويرد بثقة وثبات بأن الأمة هي مصدر السلطات في الإسلام، ولها حق الاشتراك في تنصيب الحاكم الذي تريده، كما لها اختيار شكل الحكم الذي تريده جمهوريا كان أو ملكيا، وحق الأمة في هذا حق لجميع أفرادها. ويترتب على هذا أنه إذا كانت الأمة هي مصدر السلطات كان حاكمها تحت سلطانها، ولم تكن هي تحت سلطانه، وتكون لها حريتها السياسية بأكمل معانيها، لأن هذا الحق في هذه الحرية كفله لها الإسلام. ولم تأخذه منحة من الحاكم لأنه لو كان منحة من الحاكم لم يكن حقاً صحيحاً حيث من حقه استرداد هذه الحرية إذا كان له حق منحها.

66 مشروعية الفكرة ومما يؤكد أن الأمة مصدر السلطات في الإسلام القاعدة المجمع عليها عند أهل السنة على أنه يجب خلع الإمام متى جرحت عدالته بفسق، أو عجزه بعلة لا يرجى صلاحها، لأنه يستحيل استمرار مقاصد الإمامة. ويستشهد على كون الأمة مصدر السلطات، فى فترة الحكم الرشيد التى شملت عهد النبوة والخلفاء الراشدين من بعده، بمشاورة الرسول – صلى الله عليه وسلم – لإصحابه فى الغزوات وفى كافة شئون الحياة السياسية، واستمر الأمر على ذلك المنوال فى عهد الخلفاء الراشدين فقام نظام الحكم على المشورة حتى عهد على – رضى الله عنه – وخروج معاوية ومن معه من أهل الشام عليه، فيما لا يطعن فى إمامته لأنه كانوا قلة وكان مؤيداُ بموافقة الأغلبية عليه.

67 حق الفرد فى الاعتراض على الحاكم
يترتب على أن الأمة هى مصدر السلطات، أن كل فرد من أفرادها له الحق فى هذه السلطة، فيؤخذ رأيه فى تنصيب الحاكم، ويكون له حق الإعتراض على ما يرى الإعتراض عليه من نظام الحكم بحرية تامة، سواء كان مصيباً فى إعتراضه أو مخطئاً، لأنه غير معصوم من الخطأ، فإن أصاب فهو مأجور، وإن أخطأ فهو معذور، استناداً إلى حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . وذلك على اعتبار أن "الدستور عقد اجتماعي أعم وأخطر وأقوى وأثبت من سائر العقود، يدوم بجملة نصوصه. وإنما العقد الدائم في الحياة هو الأساس الأول لها تتفرع منه وتتأسس عليه وتستند على تعاليمه وترجع إليه حكما، هو عقد الإيمان عقيدة التوحيد بين الإنسان المؤمن وربه الأعلى . وكان حق الفرد فى الإعتراض على الحاكم قائماً حتى فى عهد النبوة، رغم اتصاله بالوحى السماوى، وكون أغلب الأحكام متنقاة عنها، لدرجة أن الإعتراض على النبى – صلى الله عليه وسلم – فى بعض أحكامه كان يتجاوز أحياناً حق الإعتراض المقبول، ويجاوزه إلى الإتهام والطعن فى الذمة، فلا يكون رد فعل النبى – صلى الله عليه وسلم – إلا إظهار ألمه من هذا الطعن فى ذمته، ولا يتجاوز إلى أخذ الطاعن بعقوبة دنيوية ترهب غيره أن يقع فى مثله، وذلك لأن أخذ الناس بالإرهاب يزرع فى نفوسهم الجبن، ولا يجرئهم على نقد الحكام، ومن ثم يستنيمون لظلم حاكمهم، فيحصل ما يحصل من الفساد فى الحكم.

68 حق الأقلية في معارضة الأكثرية
للأقلية الحرية التامة في حق الاعتراض على الأكثرية المناصرة للحكم القائم، وهذا الحق مثل حق الفرد في الاعتراض على الحاكم سواء بسواء، فالفرد اكتسب هذا الحق باعتباره أن الأمة مصدر السلطات في الإسلام، فله نصيب من ذلك مما لها في ذلك لأنه فرد منها، وكذلك الأقلية أفراد من الأمة، فيجب أن يكون لهم نصيب في ذلك أيضا. وقد وجدت هذه الأقلية الممثلة للمعارضة في الدولة الإسلامية منذ عهد الرسول، فجماعة عبد الله بن أبي بن سلول من الأوس والخزرج، الذين كانوا مخلصين له وتظاهروا بالدخول في الإسلام على أن يمثلوا دور المعارضة، كلما سنحت الفرصة لذلك، لعلهم يستطيعون التأثير في الأغلبية فيرجعون لوضعهم القديم. وذلك لأن "الحرية السياسية حق من حقوق التي يجب الإيمان بها، وهي تفيد الحكم ولا تضره. وتربي الناس تربية حرة كريمة، تقطع الطريق أمام من تسول نفسه له أن يسلك سبيل الطغيان في الحكم. فيستبد بالناس في حكمه. ولا يجعل لهم حقا في استعمال الحرية السياسية معه

69 قضية الردة قضية الردة من القضايا المثارة بقوة في فكرنا الحديث والمعاصر وتتراوح الآراء فيها بين وجوب قتل المرتد وهو الرأي السائد في الفقه الإسلامي، وهو ما يؤكده يوسف القرضاوي ويؤكد على أنه رأي أئمة المذاهب الثمانيةوذهب محمد سليم العوا إلى أن عقوبة المرتد هي التعزير وليس الحدعلى حين يؤكد جمال البنا على أن آيات القرآن صريحة في الإشارة إلى عدم وجود عقاب دنيوي للمرتد.هذه مجمل الآراء حول قضية الردة. وقد تناول الصعيدي موضوع الردة في كتاب خاص تناول فيه قضية الحرية الدينية، الذي صودر من قبل الأزهر في أول الأمر ثم عاد مجمع البحوث الإسلامية فأجازه وقد كتب تقرير الإجازة الدكتور محمد رجب البيومي من أعلام الأزهر المعاصرين الذي أكد على حق الصعيدي في الاجتهاد، باعتباره أحد المؤهلين له بحكم تعليمه في الأزهر وتفوقه وخبرته أستاذا وكاتبا، بغض النظر عن مدى الاتفاق أو الخلاف معه في الرأي حول ما انتهى إليه اجتهاده ولا جدال أن رأيه كان يعد اجتهادا متقدما في حينه فلم يكن الوقت يسمح بتقبل مثل هذا الرأي المخالف لرأي الجمهور بضرورة معاقبة المرتد، لكن يبدو أن رأي الصعيدي حول هذا الموضوع وجد من يعاضده ويسانده من الفقهاء والمفكرين المعاصرين.

70 النهضة الإسلامية عند محمود شاكر
إن الحديث عن النهضة العربية والإسلامية فى العصر الحديث على الرغم من الدراسات الكثيرة والمتنوعة التى تناولت هذه النهضة بالدرس والتحليل، والتى تعكس بصورة أو بأخرى عمق الأزمة الراهنة التى تواجه العالم العربى والإسلامى وتحاول البحث عن مخرج لتلك الأزمة تتمثل فى مجموعة من الأسئلة تتصل بهذه النهضة مثل: متى بدأت، وكيف بدأت؟ ولماذا بدأت؟ وماذا حاد بها عن الهدف المنشود رغم تعدد الاتجاهات والجهود المبذولة فى الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها مما يتصل بهذا الموضوع والجدل المحتدم حول هذه النهضة والذى ما يلبث أن يهدأ حتى يعود من جديد، هذا بالإضافة إلى محاولة كل اتجاه أن يطوع فكر النهضة لرؤيته الخاصة ومذهبه الذى يدين به، وكذلك رغم كثرة الدراسات التى تناولت رأى رواد النهضة وحللت أفكارهم حول هذا الموضوع، ووضحت ما بذلوه من جهد فى سبيل ذلك، فإن أحداً لم يهتم بتوضيح رؤية وفكر ومنهج أبى فهر محمود محمد شاكر فى هذا الصدد، وإذا وردت إشارة لرؤيته لدى بعض الباحثين أو تعليق على منهجه لدى بعض آخر، فإن ذلك غير كاف فى توضيح رؤيته بصورة متكاملة، ولا فى عرض فكره وتحليل منهجه، الذى نراه جديراً بالتوضيح والعرض والتحليل.

71 بداية النهضة يكتسب الحديث عن النهضة الإسلامية عند محمود شاكر أهمية خاصة؛ وذلك لأنه يذهب إلى خلاف المألوف فى حياتنا الثقافية، التى ترى أن النهضة الحديثة فى مصر بدأت مع الحملة الفرنسية على مصر فى عام 1798، تلك الحملة التى صدمت الجماهير الغارقة فى الظلام بما كانت تحمله من علم جديد لم يألفه المصريون من قبل. كما أن الرأى المقابل للاتجاه السابق والذى يتفق مع اتجاه شاكر فى تفسيره وبيان أن النهضة الإسلامية الحديثة كانت نتيجة لعوامل ذاتية ، انبعثت من داخل المجتمع الإسلامى وظروفه، قبل الحملة الفرنسية بزمن طويل، كما توضح ذلك الكثير من الدراسات حول النهضة والتى تجعل بدايتها فى العالم الإسلامى بحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالجزيرة العربية. لكن أبا فهر يرى أن اليقظة فى الفكر الإسلامى الحديث كانت قبل ابن عبد الوهاب بما يزيد على قرن من الزمان، وأن دور الحملة الفرنسية كان هو وأد هذه النهضة وإبادتها، وقتل طلاب الأزهر الذين كانوا وقود النهضة حينذاك، وذلك بعد أن أيقن الاستعمار الغربى أنها نهضة حقيقة تسير بالمسلمين فى طريق الحضارة والبعث من جديد، فهبوا مفزوعين وبذلوا كل ما فى وسعهم للقضاء عليها.

72 مفهوم أوسع للنهضة ويلاحظ على حديث أبى فهر عن النهضة الإسلامية الحديثة وبدايتها - من وجهة نظرنا - أمران مهمان: أولهما أنه لا يجزم بتاريخ محدد لبداية النهضة، ثانيهما أنه لا يركز كما هو شائع بين كثير من الباحثين على الإحياء الدينى ورجاله فقط، لكنه ينظر إلى النهضة بمفهوم شامل، فإلى جانب تجديد الفكر الدينى مما لحق به من البدع فى علوم اللغة لا تقل أهميته عن التجديد فى ميدان الفكر . ولم يكن ذلك التيقظ نتيجة اتفاق مسبق بين هؤلاء العلماء، ولكنهم شعروا بحاجة أمتهم إلى تغيير الأوضاع، وإصلاح الخلل فى جميع الميادين، وذلك نتيجة إحساسهم الداخلى بالخطر الذى يتهدد أمتهم فهبوا لتحذيرها من مغبة هذه الغفلة، وقد قام كل واحد منهم بدوره فى بيئته المحلية دون اتفاق مسبق بينهم أو تواطؤ إلا مجرد الإحساس بالخطر ومن ثم حاولوا إصلاح الخلل الواقع فى الحياة العلمية فى البيئة الإسلامية. وهذا تأكيد على أن النهضة بدأت نتيجة إحساس داخلى وشعور فطرى بحاجة الأمة إلى التغيير والتجديد دون أى إنذار خارجى نبه إلى ذلك كما يدعى بعض الباحثين.

73 الاستشراق والنهضة الحديثة
أما سبب تعثر النهضة الإسلامية وعرقلتها عن بلوغ هدفها المنشود، فإن أبا فهر يرى أن عيون الاستعمار فى العالم الإسلامى، ممثلة فى المستشرقين، الذين لم يتوانوا لحظة عن متابعة ورصد كل صغيرة وكبيرة تحدث فى دار الإسلام، رصدت تلك النهضة الإسلامية الفتية، وأرسلت تحذيراتها إلى ملوك الغرب، الذين داهموا العالم الإسلامى، بجيوشهم وأساطيلهم، فى حملة صليبية رابعة طوقت العالم الإسلامى، من أقصاه إلى أقصاه. وكان العالم الإسلامى آنذاك مازال فى بداية نهضته، فبغت بالهجمة الصليبية الجديدة، ولم يقدروا على التصدى لكل هذه الجيوش، التى كانت أقوى منه عدة وعددا فيوضح دور المستشرقين الذين كانوا يجوبون دار الإسلام من أطرافها إلى قلبها، فى محاولة لغز الأحداث واستكشافها يلاقون الخاصة من العلماء، ويخالطون عامة المثقفين والدهماء لمعرفة أسرار الأمة الإسلامية وأخبارها وذلك بقلوب مليئة بالحقد ونفوس مصممة على الثأر عازمة عليه

74 الاستشراق عيون للغرب وقد تيقن الاستشراق من حقيقة وجدية هذه الصحوة الإسلامية، ولذا قاموا بدورهم المنوط، وهو تنبيه بلادهم من خطر هذه النهضة، وذلك على اعتبار أن المستشرقين هم عيون الغرب وحملة هموم المسيحية الشمالية، والذادة عنها، وحماتها المستبسلون، ولهذا هبوا فازعين من يقظة دار الإسلام وتسارعوا فى نقل أخبار كل صغيرة وكبيرة مما يشاهدونه فى يقظتنا "ووضعوه بيننا جليا - مشفوعا بمخاوفهم، وملاحظتهم، ونصحهم، وإرشادهم - تحت أبصار ملوك المسيحية الشمالية، وأمرائها، ورؤسائها، وقادتها، وساستها، ورهبانها، وبصروهم بالعواقب الوخيمة المخوفة، من هذه اليقظة الوليدة، التى بدأت تنساح فى دار الإسلام وأبو فهر لا يفرق بين الاستعمار والاستشراق، أو بينهما وبين التبشير، لأنهم جميعا فى رأيه يسعون إلى هدف واحد خاصة فى تلك الفترة المبكرة ـ فهى أسماء متباينة لحقيقة واحدة

75 دور الاستشراق في وأد النهضة
فلما أحس الاستشراق هذا الخوف على بلادهم، نتيجة اليقظة الإسلامية الوليدة، التى تسعى إلى إحياء مجد الإسلام، وحضارته، وبالتالى تسعى إلى الحركة والانتشار من جديد، بعد توقفها عن ذلك قرابة قرنين من الزمان، هب يطالب بالقضاء على هذه اليقظة، وهبت معه أوربا كلها، يصور ذلك أبو فهر بقوله: "فلما فزع الاستشراق، فزعت معه المسيحية الشمالية، ودولها التى كانت أساطيلها تطوق دار الإسلام، من أطرافها البعيدة، وتتوغل بسيطرتها على سواحلها، متحسسة طريقها إلى قلب هذه الدار المترامية الأطراف، بالدهاء، وبالمكر، وبالخديعة، وبالتنمر أحيانا، حين يتطلب الأمر التنمر والترويع واستعر الصراع بين الدول الأوربية على احتلال العالم الإسلامى واستنزاف ثرواته وكنوزه وخيراته بشراهة، وبدأ فى الهند على الأطراف بعيدا عن مركز السيادة فى تركيا التى لم تكن قادرة فى ذلك الوقت أن تفعل شيئا لضعفها وانشغالها بالحفاظ على وجودها وهيبتها

76 ليبنتز كنموذج لدور الاستشراق
ثم يقدم الأدلة على دور الاستشراق، ورجال الفكر الأوروبى، فى تزيين الأمور للحكومة الفرنسية، باحتلال مصر، منذ منتصف القرن كما يرى أبو فهر كامنا فى قلب ساسة فرنسا منذ منتصف القرن السابع عشر وهو ينمو على الأيام، ومضت مائة عام حتى كان عهد لويس التاسع عشر، وكبير وزرائه الدوق دى شوزال، الذى طمع أن تحتل فرنسا مصر، وذلك عن طريق المفاوضة مع تركيا، حتى جاء عهد لويس السادس عشر 1774م، وكان الكونت سان برسيت سفيرا لفرنسا فى الآستانة منذ عام 1768م، وأقام فيها ست عشرة سنة يرقب اضمحلال تركيا، وكان شديد الاهتمام بدار الإسلام فى مصر، فكتب إلى حكومته يحضها على احتلال مصر، فأوفدت الحكومة الفرنسية البارون دى توت المجرى الأصل الذى استوطن فرنسا، إلى تركيا ،فلما عاد سنة 1776م قدم تقريرا إلى الحكومة الفرنسية، بأن تركيا فى سبيل الانحلال، ونصح الحكومة بالإقدام على احتلال مصر، فأرسلته مرة أخرى إلى ثغور الدولة العثمانية، فحضر إلى مصر ودرس سواحلها ومواقعها، وقدم تقريرا إلى الحكومة بين فيه مزايا احتلال مصر وسهولة تحقيق ذلك.من عهد ليبنتز، الفيلسوف الألمانى، الذى التحق بالسلك الدبلوماسى، فقضى فى باريس أربعة أعوام من م فى بلاط لويس الرابع عشر، وقدم إليه فى عام 1672م تقريرا، يحرضه فيه على اختراق دار الإسلام فى مصر، ويرى أن ذلك الأمر، لم يكن من ليبنتز عفو الخاطر، وإنما كان عن متابعة واعية لملاحظات المستشرقين، الذين كانوا يجوبون دار الإسلام، ويمدون مثقفى المسيحية الشمالية، بما خبروه، من دخائل دار الإسلام، فى مصر وغيرها، وظل هذا التحريض

77 من ليبنتز إلى مجالون ويربط أبو فهر بين هذه التواريخ التى بدأت فيها التقارير لحض فرنسا على احتلال دار الإسلام، منذ عهد ليبنتز إلى عهد مجالون، وبين عصر اليقظة فى دار الإسلام ونهضتها الحقيقية فى ذلك الحين على أيدى مجموعة من رجالها، الذين لم يغب نشاطهم، ومعرفة حقيقتهم، ودورهم فى بعث وإحياء الحضارة الإسلامية، لحظة عن عيون المستشرقين، لكن المشكلة تكمن فى الجو الثقافى أو الحياة الأدبية حسب تعبير شاكر التى غابت عنها هذه الحقائق رغم وضوحها وهذا يوضح أنها حياة أدبية فاسدة تلهو بمجموعة من الأوهام مثل الأصالة والمعاصرة، والقديم والجديد، والثقافة العالمية وموقفنا من الغرب ويستخدم أبو فهر مصطلح حياتنا الأدبية بمعناه العام الذى يشمل الفكر والثقافة، ولا يقصره على مجال الدراسات الأدبية فقط. وهذا ما يؤكده فى قوله: "وحين أقول حياتنا الأدبية فإنى لا أعنى الأدب وحده، أو الشعر وحده، بل أعنى كل ما كانت الكلمة أصلا فيه من أدب وشعر ودين وفلسفة وعلم، إلى آخر هذه السلسلة المتشابكة .

78 الاستعمار وحياتنا المعاصرة
يرى أبو فهر أن الاستعمار الذى لديه رؤية واضحة، ويملك أسباب العمل ووسائله، يسعى دائما إلى إفساد حياتنا وذلك "بإفساد إرادتنا، وإفساد عقولنا، وإفساد ثقافتنا، وإفساد ضمائرنا، وإفساد أذواقنا، وإفساد صورة ماضينا، وإفساد حاضرنا، أى بإفساد حياتنا كلها ليفسد مستقبلنا، ويحرص أيضا على أن يوهمنا إيهاما مستمرا بأن مصيرنا مرتبط بمصيره، لكى يبلغ بنا حدا من العجز والتردد وتشتت القوى، يضمن له إطالة بقائه غالبا متسلطا مسيطرا على هذا العالم كله بتفوقه الحربى والصناعى والعلمى . وسر تخوف أبو فهر وقلقه على الأمة العربية الإسلامية من الاستعمار، واستغلاله لهذه الأمة، يرتبط فى رأيه بحقائق مهمة ظاهرة ظهوراً بينا، تدعو إلى الخوف أهمها على الإطلاق، أن العالم العربى الإسلامى وما يرتبط به من أفريقيا وآسيا لا يعيش حضارة متفوقة ينبع تفوقها من داخله، ولكنه يعيش مستهلكا لإنتاج حضارة عدو متفوق، يأخذ من هذا العالم بلا حساب ويعطيه فى الوقت نفسه بحساب دقيق مقتر لا يرحم، ويرتكب أبشع الجرائم فى حق الإنسان والإنسانية هذا الهدف هو الوسيلة الوحيدة لإعادة بناء الحضارة العربية الإسلامية من جديد وبعثها لتستأنف دورها فى التعمير والإصلاح. ويحذر الأمة وينبهها إلى أن الاستعمار يعلم تماما أن الأمة العربية سوف تحاول تحقيق تلك الإرادة، وتصحح ذلك الوضع القائم، ويرى أنه من الغفلة والسذاجة أن نتصور، أو نظن أنه سوف يتركنا اليوم نعمل، بإرادة حرة طليقة نحو بلوغ الهدف المنشود فى إعادة بناء الحضارة الإسلامية من جديد، وذلك أمر واضح مهما حاول البعض أن يخفى معالمه

79 رؤية بصيرة وكأنى به وهو يستشرف الغيب من وراء الأفق، ويرى ما حدث لأمتنا العربية فى العشرين عاما التالية لكلامه هذا، من صراعات وانقسامات وحروب داخلية لم يكن الاستعمار بحال من الأحوال بعيدا عنها، أو طاهر اليد من آثامها، فالحرب التى استمرت بين العراق وإيران لمدة عشر سنوات واستنزفت مليارات الدولارات من الجانبين، كلها ذهب ربحا صافيا فى جيوب الاستعمار الذى كان يغذى الطرفين بالسلاح، وكلما وهنت قوة إحداهما وأوشكت عن التوقف والاستسلام أمدها سرا لتظل رحى الحرب دائرة تطحن المسلمين طحنا، وتأكل الأخضر واليابس من بشر وثروة وعمران ويعطلهم فى نفس الوقت عن ممارسة البناء والتعمير، ثم ما لبث أن أغرى العراق بالكويت، وكان ما كان من زحفه علينا بعَدَده وعُدته، لتدمير العراق وقبض الثمن باهظا كل ذلك مما يؤكد رؤية أبى فهر، وصواب فكره، ونفاذ بصيرته.

80 حقيقة الصراع يرى أبو فهر أننا نعيش فى حومة صراع، ومن الخطأ ما يظنه بعض الكتاب أنه صراع حضارى، بين الحضارة الإسلامية التى يمثلها العالم العربى الإسلامى من جهة، والحضارة الغربية المسيحية التى يمثلها المستعمر من جهة أخرى، وقد نتج ذلك الخطأ عن عدم اهتمامنا بتحديد معانى الألفاظ، ومعرفة دلالتها الصحيحة . ويحدد معنى الحضارة الذى يراه أنه بناء متكامل، تصل إليه الأمم بعد سيطرتها الكاملة على أسباب العلوم، والسيادة على كل شىء حتى يعترف لها الخصوم بذلك، فيرى أن ما نسميه حضارة مما تداولته الأمم من قديم دال على "أن الحضارة بناء متكامل، لا تستحقه أمة إلا بعد أن تجتاز مراحل كثيرة معقدة التركيب، حتى تنتهى إلى أن يكون لأهلها سلطان كامل على الفكر، وعلى العلم، وعلى عمارة الأرض، وعلى أسباب هذه العمارة من صناعة وتجارة وعلى أسباب كثيرة من القوة، ترغم سائر الأمم على الاعتراف لها بالغلبة والسيادة." وهذا التعريف أدق وأفضل مما ألفه كثير من الكتاب من تعريف الحضارة بأنها تتكون من شقين هما: الثقافة والمدنية. ويوضح أن العالم العربى الإسلامى لا يعيش الآن حضارة بالمعنى الحقيقى لهذه الكلمة؛ وذلك لأنه ليس له سلطان كامل على الأصول والشروط التى تستلزمها الحضارة، فيقول: "فالذى لاشك فيه أن عالمنا نحن اليوم ليس له سلطان كامل على هذه الأصول والشروط التى يستحق حائزها أن يسمى ما هو فيه حضارة."([وأن عالم الاستعمار الذى نصارعه هو المستحق لهذا اللقب لأنه يملك الفكر والعلم وعمارة الأرض ويسيطر على الصناعة والتجارة وأسباب القوة التى ترغم العالم على أن يعترف له بالغلبة والسيادة.

81 نقد المركزية الاوربية وهذا الذى أشار إليه أبو فهر من خطورة شعار عالمية الحضارة الأوربية، وأثر ذلك على عقول الناشئة، وهدف المجتمع الغربى من إطلاق مثل هذا الشعار، هو ما قصد إليه أحد الباحثين وأراد تحقيقه كأمنية من أمانى علم الاستغراب الذى يهدف إلى القضاء على المركزية الأوربية، وبيان كيف أن الوعى الأوروبى تصدر المركز عبر التاريخ الحديث، وذلك عن طريق هيمنته وسيطرته الكاملة على كل الوسائل والأدوات التى ساعدته على إطلاق هذه الدعوة. كما أن هذا هو ما يتردد الآن تحت شعار العولمة (Globalization) والتى يراد منها فرض الحضارة الغربية على أنحاء العالم وإخضاع بقية الشعوب والأمم والحضارات لإرادة نمط هذه الحضارة فى السياسة والثقافة والاقتصاد والاجتماع. ويفرق أبو فهر بين شقى الحضارة، وهما العلم والثقافة، فيرى أنه يجب الفصل بينهما فصلا تاما، لأن العلم بمعناه الحديث تراث إنسانى ممتد منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا، ومعنى هذا أنه لا يمنع من أخذ العلم عن الغرب، والاستفادة منه، ومن جهودهم فى سبيل تطويره لخدمة الإنسان وأهدافه فى الحياة. ويشير إلى أن أى حضارة لابد لها من أساس ثقافى بما تحمله تلك الثقافة من سمات خلقية ودينية تقوم عليه، وهذا الأساس هو ما يميز حضارة عن أخرى فيقول: "إن حضارة الأمة مرتبة لاحقة، لابد أن يسبقها أساس ترتبط به ارتباطا لا فكاك منه البتة. وبهذا الأساس تتميز حضارة من حضارة تميزا جوهريا، وتتميز به غلبتها وسيادتها، حتى يصح أن توصف بأنها حضارة شريفة كريمة، أو حضارة لئيمة المنبت خسيسة الأصل.

82 الصراع ثقافيا وليس حضاريا
ينتقل أبو فهر إلى توضيح حقيقة الصراع القائم بين العالم العربى الإسلامى، والعالم الغربى المسيحى، بعد أن أكد على أنه ليس صراعا حضاريا؛ لأننا لا نمتلك الآن مقومات الحضارة والأسس المطلوبة لها، فيرى أنه صراع ثقافى، وذلك حيث صار واضحاً هذا الفصل بين العلم الذى سيطر عليه قوى الحضارة وبين المراحل التى على أساسها تقوم الحضارة وهى الثقافة، فالصراع الدائر بيننا وبين الغرب على هذا الأساس وذلك لآن الثقافة شرط ضرورى لقيام أى حضارة، وإذا فالصراع بيننا وبين عالم الاستعمار، صراع بين الثقافة العربية الإسلامية، وبين الثقافة الأوروبية، وأن هذه هى القضية على وجهها الصحيح. سبب هذا الصراع والهدف من ورائه، فهو الحيلولة بين المسلمين وتجديد ثقافتهم، التى بها يستطيعون السيطرة على أسباب الحضارة وذلك بالحيلولة بيننا وبين أن تتجدد الثقافة العربية الإسلامية، حتى تصبح قادرة أو حتى نصبح نحن قادرين بها على أن نسير فى الطريق الصحيح، الذى يمكن عن طريقه أن يصل إلى مرحلة تكون ثقافتنا فيها حاملة للقوة المتحركة أى يمكن تطبيق هذه الثقافة فى الواقع العملى بحيث تدفعنا إلى أول الطريق الذى تلتقى عنده الثقافة وحركتها الدافعة الدافقة، بالأسباب التى تجعل الحضارة شيئا واقعا فى حياتنا، فتكون حضارتنا قائمة على أساس متين من ثقافة الأمة وروحها ونصبح قادرين على تطوير وتنمية تلك الحضارة التى أنشأناها

83 مكانة الإنسان فى فكر الإمام محمد عبده
نشأت مدرسة محمد عبده كواحدة من المدارس في الفكر الإسلامي الحديث فى مصر كمدرسة إسلامية جادة ومتميزة فى التعامل مع الإسلام بروح وثابة متطلعة لا تخلو من جرأة أحياناً فى نظر بعض المحافظين. لقد سعت هذه المدرسة الفكرية إلى التوفيق بين أصول الإسلام وبين الواقع، وبالتالى أفسحت الباب أمام العقل لكى يتعامل بحرية مع النص الدينى، وتجاوزت أفق الفكر الضيق المحدود الذى سيطر على الفكر الإسلامى منذ القرن العاشر الهجرى حيث سيطرت الشروح والمتون والحواشى، وخفت صوت الإبداع والإضافة الحقيقية والتجديد الصحيح وسادت مقولة: إغلاق باب الاجتهاد. أى أنها مدرسة إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وذلك حيث حرص رواد هذه المدرسة على احترام حقوق الإنسان باعتباره خليفة فى الأرض، فأعلوا من شأن العقل وجعلوا أحكامه مقدمة على النص الدينى فى حالة التعارض، وسعوا إلى تقديم رؤية إنسانية حضارية للإسلام لا تتناقض مع العقلانية والحرية

84 الأصول الإنسانية عند الإمام محمد عبده
* مكانة العقل فى فكر النهضة. * الأفغانى فى مصر. * نهضة محمد على .

85 أولاً: مكـانة العـقل لقد أعلى الإمام محمد عبده من شأن العقل وعول عليه فى كل ما كتب، وذلك لإيمانه أن الإسلام هو دين العقل، وأنه بهذا يتميز عن غيره من الكتب السماوية السابقة، ففى تعريفه للتوحيد فى بداية رسالته المسماة بهذا الاسم يعرف معناه، والأسماء التى عرف بها ومنها علم الكلام، الذى مبناه هو الدليل العقلى الذى به تقرر الأصول الأولى، وبعد ذلك يرجع إلى النقل فى قضايا فرعية. فالعقل فى هذا العلم – التوحيد – هو الأصل للنقل. هذا النوع من العلم كان معروفاً عند الأمم السابقة قبل الإسلام، لكنهم قلما ينحون فى بيانهم لأديانهم نحو الدليل العقلى، بل على العكس من ذلك كان العقل فى تعارض دائم مع الدين، ثم جاء القرآن فانتهج بالدين منهجاً لم يقم عليه ما سبقه من الكتب المقدسة، منهجاً يلائم زمن نزول القرآن والأزمان التالية. ويرى الإمام محمد عبده أنه تقرر لدى علماء الدين كافة من الأجيال السابقة أن الدليل العقلى هو الأصل فى بعض قضايا أصول الدين فقد تقرر بين كافة المسلمين إلا بعض من لا يعتد بهم "أن من قضايا الدين مالا يمكن الاعتقاد به إلا من طريق العقل كالعلم بوجود الله، وبقدرته على إرسال الرسل، وعلمه بما يوحى به إليهم وإرادته لاختصاصهم برسالته . فالعقل أساس مهم وضرورى فى التصديق برسالة الإسلام وفى الإيمان برسوله. كما أن هذا الدين لا يتعارض مع العقل، وليس فيه شىء يستحيل على العقل الإنسانى فهمه وتقبله

86 تقديم العقل على النص هذا النظر العقلى فى رأى محمد عبده ليس فقط واجباً فى معرفة الله، بل يجعل من الواجب على كل مسلم عاقل استخدام الدليل العقلى فى فحص النصوص والحقائق الشرعية ومعرفة صدقها من عدمه فيقول: "أقول من أن الواجب على كل ذى عقل: أن يذهب إلى النظر فى الحقائق، ويسبرها على وجه أدق بحسب طاقته ويقيم البراهين القطعية على النفى والإثبات. ثم يأخذ ألفاظ الشارع مسلمة مقبولة قائلاً: { آمنا به كل من عند ربنا } ولا يتعرض طريق التأويل فالعقل أساس فى فهم النص الشرعى، وفى معرفة البراهين الشرعية على النفى والإثبات. وإذا تعارض هذا الدليل العقلى مع النص الشرعى يؤول النص لصالح الدليل العقلى، ولكن دون تعسف يذهب بمضمون النص، لكن هل استخدم محمد عبده هذا الدليل فعلاً دون تحيف للنصوص أو تعسف بمضمونها؟ هذا ما سنجيب عنه عند الحديث عن منهجه فى التأويل.

87 البعد عن التكفير من الأصول الإنسانية الهامة عند الإمام محمد عبده مناداته بالبعد عن التكفير كأصل من أصول الأحكام عند المسلمين، وذلك أنه "إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر. فهذا الأصل فتح الباب واسعاً لتجنب الأحكام الطائشة على أصحاب الأقوال التى تنطوى على شبهات. ولا أظن أنه لا يوجد قولاً لا يحتمل الإيمان من وجه واحد من مائة وجه؟ إذا بلغ الحمق بأحد ولم يكن فى كلامه مثل هذه الشبهات أى احتمال الإيمان من وجه كان الأجدر به أن يذوق حكم محكمة التفتيش البابوية ويؤخذ بيديه ورجليه فيلقى فى النار!! غير خفى على عاقل أن الحكم على شخص بالكفر فيه إهدار لدمه واعتداء على حقه فى الحياة، وإيغار لصدره وإشاعة الكراهية بين الناس، وبالتالى اعتبر التماس العذر للمسلم حتى ولو من وجه واحد يحتمل الإيمان فى مواجهة مائة موقف يحتمل الكفر من أجل الحفاظ على كرامة وإنسانية هذا الإنسان.

88 التأويل استخدم الإمام محمد عبده المنهج العقلى فى تفسيره للقرآن الكريم، وعول عليه كثيراً، فأول الكثير من الآراء بما يخالف ما عليه السلف. ومن ذلك مثلاً تأويله للسحر ورفضه للحديث الذى ورد عن سحر لبيد بن الأعصم للنبى - صلى الله عليه وسلم – وأن هذا السحر أثر فى النبى حتى كان يخيل له أنه يفعل الشىء وهو لا يفعله، أو يأتى شيئاً وهو لا يأتيه، وأن الله أنبأه بذلك فأخرجت مواد السحر من بئر وعوفى – صلى الله عليه وسلم – مما كان نزل به من ذلك فنزلت سورة الفلق كما ذهب إلى ذلك بعض المفسرين كالبيضاوى والواحدى. فقد رفض الإمام هذه الرواية، وقال إن الحديث على صحته، فهو خبر أحاد لا يصح الأخذ به فى باب الاعتقاد، وأقصى ما يمكن أن يحصله حديث الآحاد فى حال صحته فهو الظن.

89 الحرية لقد احتل الحديث عن الحرية مكانة بارزة فى إطار مدرسة الاعتزالية الجديدة، وذلك حيث ركز رواد هذه المدرسة على الحرية بكافة أشكالها، فركز محمد عبده على حرية الإنسان الفردية فى أعماله باعتبارها الأساس للمسئولية والتكليف، كما أنها أساس لحريته الفكرية والسياسية والاجتماعية. كما ركز تلميذه سعد زغلول السياسى الكبير على حق الإنسان فى التحرر من الاستعمار فاهتم بالحرية السياسية وناضل من أجل استقلال المجتمع المصرى. وتبنى قاسم أمين أحد تلاميذ محمد عبده قضية هامة وهى الحديث عن حرية المرأة وتحريرها والدفاع عن حقوقها التى طمرتها عصور التخلف والجمود التى بدأت فى العالم الإسلامى بعد القرن العاشر الهجرى، وقد سانده فى ذلك الإمام محمد عبده وشجعه فى كتابه تحرير المرأة، حتى قيل أنه شاركه فى تأليفه.

90 الحرية الإنسانية أكد الإمام محمد عبده على قدرة الإنسان فى فعله واختياره وأن مثل هذا الأمر واضح فكما أن الإنسان السليم يدرك أنه موجود، ولا يحتاج فى ذلك إلى دليل يهديه ولا معلم يرشده "كذلك يشهد أنه مدرك لأعماله الاختيارية، يزن نتائجها بعقله، ويقدرها بإرادته، ثم يصدرها بقدرة ما فيه، ويعد إنكار شىء من ذلك مساوياً لإنكار وجوده، فى مجافاته لبداهة العقل. وفند قول بعض مؤيدى الجبر الذين ذهبوا إلى أن القول بقدرة العبد على أفعاله فيه إشراك للعبد فى قدرة الله وفعله، ويلاحظ دقة اختيار الإمام لمصطلحاته فيعبر بلفظ الكسب، وهو المألوف لدى أهل السنة، لكنه رغم هذا يختار رأى الفريق الأكثر قبولاً فى العقل والرأى المجمع عليه لدى الفرق الإسلامية الذين أيدوا قدرة العبد فى فعله. وهذا ما نجده عند أمثال الجوينى والرازى والغزالى فى بعض مواقفه.

91 الحرية السياسية عاش محمد عبده فى عصر كان المسلمون فيه من الحطاط الفكرى، والتخلف الاجتماعى والتردى السياسى ما دفعه إلى ضرورة معالجة قضية الحرية السياسية، باعتبارها من أهم عوائق نهضة المجتمع الإسلامى وتقدمها. وبناء عليه طالب محمد عبده بالحرية السياسية، ويتضح ذلك فيما كتبه عن الحياة السياسية وفى تعريف المواطنة والوطن وفى حديثه عن الشورى والاستبداد، الذى يؤكد فيه أن الاستبداد منافى للشرائع ويناقض صريح القرآن والسنة، وسيرة السلف الصالح. وذلك لأن تتبع الشريعة الغراء ونصوصها الواضحة، والحكمة من نزول الكتب السماوية، وتدوين الأحاديث النبوية، تبين أن الاستبداد المطلق يتعارض مع حكمة الله فى التشريع، ومع ما ورد صريحاً فى الآيات الشريفة والأحاديث الصحيحة الآمرة باتباع أحكام الكتاب العزيز والأخذ بالسنة الراشدة.

92 وجوب الشورى فالاستبداد فيه نبذ للدين وأحكامه، وإتباع للهوى، وتنكب عن طريق الحق، وخرق لإجماع السلف الصالح من المؤمنين، الذين "لم يبيحوا فى أطوارهم أن يتولى عليهم من يخالف الكتاب والسنة إلى أحكام شهوته وهواه، يشهد بهذا صيغهم فى بيعة الأمر والعهد إلى الولاة، يقولون لمن يبايعونه: بايعناك على أن تكون خليفة رسول الله، تتبع سنته، وتسلك بنا طريقته. وإذن كانت الشورى مندوبة فى الماضى فإنها الآن واجبة ولا يعد المطالبة بذلك من قبيل تقليد الغرب، ولكن وجوبها يفرضه قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان. فالشورى واجبة ويقصد بها تحقيق الغايات والمنافع، وهى وإن كانت فى أصل الشرع مندوبة فقاعدة "تغير الأحكام بتغير الزمان تجعلها عند مسيس الحاجة إليها واجبة وجوباً شرعياً

93 العدل ويتصل بالحديث عن الحرية الإنسانية والحرية السياسية، الحديث عن العدل، وقد تناول ذلك الإمام محمد عبده فى كثير مما كتب. أن "العدالة والعلم متلازمان فى عالم الوجود، متى سبق أحدهما إلى بلاد تبعه الآخر على الأثر، ومتى فارق واحد منهما جهة تعلق الثانى بغباره، فلا يكاد يرفع قدمه أو يضعها إلا وصاحبه يرافقه. وهذا ما ينبئنا به التاريخ، وتحدثنا عنه سير الدول التى ارتفع بها "منار العدل أو بزغت فيها شموس العلم، كيف تمتعت بالنورين، وطارت إلى أوج السعادة بهذين الجناحين، حتى إذا أتت حوادث الدهر على أحد الأساسين فهدمه سقط الآخر بأسرع وقت، وانحطت الدولة المصابة بفقده إلى أسفل الدركات فأغسق جوهاً بكثيف من الظلمات وغشيت أبصارها حجب من الجهالة. وعلى هذا فإذا "رسخت قدم العدالة فى أمة تمهدت لها طرق الراحة، وعرف كل ماله وما عليه، فتلهبت فيهم الأفكار، وتلطف الإحساس، وقويت قلوبهم على جلب ما ينفعهم ودفع ما يضرهم، فيدركون لأول وهلة أن لا دوام لما وصلوا إليه، ولا ثبات لما حصلوا عليه، إلا إذا تأيد بينهم شأن المعارف الحقيقية، وعمت التربية سائر أفرادهم، فيقدمون بكليتهم على الأخذ بالأسباب المؤدية لانتشار العلوم وتعميمها فى سائر الأنحاء .

94 حرية المرأة احتلت قضية المرأة مكاناً بارزاً فى مدرسة الاعتزالية الجديدة، وخصوصاً عند مؤسس المدرسة الإمام محمد عبده الذى نعى الإسراف فى الزواج والطلاق، وشنع على أنصار التعدد الذين يقولون عليه لا لشىء إلا من أجل إشباع الرغبة والتمتع بالمرأة دون حاجة إلى ذلك تدعوه، أو ضرورة ملحة تلجئه إلى ذلك. يقول الإمام: "فكيف يسوغ لنا الجمع بين نسوة لا يحملنا على جمعهن إلا قضاء شهوة فانية، واستحصال لذة وقتية، غير مبالين بما ينشأ عن ذلك من المفاسد، ومخالفة الشرع الشريف. ويرى أن ذلك هو حال معظم الناس الذين لم يفهموا المقصد الحقيقى للتعدد. وأن تعلق مثل هؤلاء بقوله تعالى: "فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ، بأن صدر الآية مقيد بعجزها. ومن ثم على الرجال إما الاختصار على زوجة واحدة، وإما التبصر قبل طلب التعدد فى الزوجات فيما يجب عليهم من العدل وحفظ الألفة بين الأولاد وحفظ النساء من الغوائل وعدم الإضرار بهن أو تطليقهن دون داع أو مقتضى شرعى. وحقيقة موقف الإمام من قضية التعدد تظهر لنا أنه كان ضد إطلاق هذا المبدأ، ويرى أن ذلك هو موقف الإسلام الصحيح الذى "خفف الإكثار من الزوجات، ووقف عند الأربع، ثم إنه شدد الأمر على المكثرين إلى حد ما لو عقلوه لما زاد أحد منهم على الواحدة". وبلغ من إيمان الإمام بهذا الأمر أنه طالب بالاقتصار على واحدة، ورأى أن الحاكم يمكنه جعل ذلك قانوناً ولا يبيحه إلى للضرورة تقتضيه. ومما يؤكد موقف الإمام فى هذا فتواه فى جواز إبطال هذه العادة وذلك لأن: شرط التعدد هو تحقيق العدل وهو شرط مفقود حتماً، فإن وجد فى واحد من المليون فلا يصح أن يتخذ قاعدة، ومتى غلب الفساد على النفوس وصار من المرجح ألا يعدل الرجال فى زوجاتهم جاز للحاكم وللقائم على الشرع أن يمنع التعدد دفعاً للفساد الغالب.

95 الحروب الصليبية ولكن نتيجة لصراعات داخلية أوربية ونتيجة لأزمات سياسية واقتصادية فى القرن الحادى عشر وعلى طريقة تصدير المشاكل والأزمات للخارج للتخلص منها أشعل الباباوات والقسس نيران الحرب ضد الإسلام، فى حرب مقدسة تعبيرا عن إرادة الرب كما أعلن ذلك البابا أربان. وقد أسفرت هذه الحرب عن العداء الغربى ضد الإسلام فى أطول حرب عرفتها البشرية، الحروب الصليبية التى أشعل الباباوات حماس الجند بتحريضهم على الجهاد المقدس لتطهير مهد المسيح من أيدى الكفرة المسلمين. وقد جاء فى خطبة البابا أربان فى مؤتمر كليرمون الذى دشنت فيه تلك الحرب، قوله: "إن مدينة ملك الملوك التى نقلت إلى الآخرين نواميس الإيمان السليم قد دانت رغم أنفها إلى ترهات الخوارج، كما أن كنيسة القيامة المجيدة التى هى آخر مكان رقد فيه السيد تقاسى حكمهم وتتلطخ بأوساخ أقوام لن يكون لهم حظ القيامة، بل كتب عليهم أن يظلوا فى الجحيم إلى الأبد، كأنهم هشيم النار لا ينطفىء لهيبها أبدا.

96 الحروب الصليبية وفى تلك الخطبة التى أججت نيران الغضب فى نفوس الجماهير المسيحية وصف المسلمون بأبشع الأوصاف مثل أعداء المسيح والخوارج وأهل النار، كما نعتوا بالكفار أكثر من مرة كما فى قوله: "وعلى ذلك فنحن محذروكم وموصوكم باسم الرب بالعمل على التطهر من خطاياكم وذلك بمشاطرة إخواننا سكان القدس وما حولها فى مصائبهم وآلامهم، وكونوا شركاء لهم فى إرث ملكوت السماوات وعليكم أن تكبحوا بكل غضبة دينية وقاحة الكفار الذين يحاولون إخضاع الممالك والولايات والدول، وأن تحاربوا ما وسعكم الجهد هؤلاء الذين أجمعوا العزم على إزالة الاسم المسيحى، فإن لم تفعلوا ذلك فإن كنيسة الرب التى لم ترتكب إثما سوف تفقد الإيمان سريعا، وتكون السيادة لجهالة الوثنيين.

97 العولمة والصراع المعاصر
وأخيرا جاء الاستعمارالغربى الصليبى فى شكل جديد أكثر إغراء وجاذبية شكل يتناسب وظروف العصر، إنها العولمة Globalization)) مصطلح له بريق لكنه فى حقيقة الأمر يعكس قدرة الغرب على التلون والتشكل فى كل مرحلة حسب ما تفرضه مصلحته، هذه العولمة يريد الغرب،- وخصوصا أمريكا التى توجه السياسة العالمية الآن ومنذ فترة- من خلالها نهب ثرواتنا وطمس هويتنا الثقافية والدينية ويسعى إلى فرض إرادته علينا ويحولنا إلى سوق لمنتجاته، لأن هذا اللفظ الذى يدل على حالة أكثر مما يدل على مفهوم، وهذ واضح فى الغموض الذى يحيط به ويحيل دون تعريفه بدقة وإحاطة.

98 بين العولمة والعالمية وقد اهتم بعض الباحثين بتوضيح الفرق بين العالمية كما تؤكدها الرؤية الإسلامية وبين العولمة كرؤية غربية تريد السيطرة على العالم وفرض أفكاره وقيمه ومبادئه وثقافته على الآخرين، وهذا ما عبر عنه الأستاذ جمال البنا من خلال عنوان ورقته فى ندوة الإسلام لعولمة والذى جاء دالا على المعنى المقصود الذى دارت حوله الورقة وسعت إلى تأكيده، هذا العنوان هو: (الإسلام دين العالمية لا العولمة). على حين لم يهتم بعض الباحثين الآخرين بهذا التحديد الفاصل بين العولمة والعالمية الذى أفاض فيه عدد من الباحثين كما أشرنا، وهذا ما يعكسه حديث أحد الباحثين عن العولمة أنها إذا أريد بها "وجود أرضية مشتركة بين شعوب الأرض تسمح بقيام علاقات بينها، وتسمح بوجود قوانين كوكبية تنظمها لخير الجميع، تعتبر نظرية مقبولة من وجهة النظر الإسلامية، أما العولمة التى تعنى فرض الفلسفة البرجماتية، النفعية، المادية، العالمانية، وما يتصل بها من قيم وقوانين ومبادىء، على سكان الكوكب، فهى نظرية مرفوضة رفضا باتا فى ضوء الإسلام.

99 طبيعة الحوار فى الإسلام
والخطاب القرآنى فى حواره مع الفرد أو الجماعة يقصد به دعوة المخاطب إلى النظر والتأمل والتفكر ليعقل حقيقة وجوده، والهدف منها، ولهذا لا تأتى الإشارة إلى العقل فى القرآن إلا فى مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، وذلك ما يؤخذ من كل الأيات القرأنية التى وردت الإشارة فيها إلى العقل. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تكون الإشارة إلى الحوار مع العقل فى القرآن فى صيغ عديدة، فيأتى تارة بلفظ القلب أو الفؤاد، وثانية فى صيغة أفعال بلفظ المفرد، أو بلفظ الجمع مثل: يعقلون – يفقهون- يتفكرون- ينظرون – يبصرون- يعتبرون – يتدبرون- يعملون- يتذكرون، ويأتى مرة ثالثة فى صيغة : أولى الألباب أو أولى الأبصار أو أولى النهى، فالقرآن الكريم أراد أن يعبر بذلك عن الوظائف العقلية التى أراد الله للعقل الإنسانى أن يمارسها فى هذا الوجود .

100 الحوار بالحسنى أكد الإسلام على ضرورة محاورة المخالفين، وخصوصا من أهل الكتاب بالحسنى، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم فى قوله تعالى فى سورة النحل "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن" آية 125. يقول سبحانه فى سورة العنكبوت: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن" آية 36. ويلاحظ أن الأمر الألهى فى كلتا الآيتين جاء بصيغة الأمر، وذلك حتى يكون الدعاة إلى الله على بينة فى حوارهم مع الخصوم بألا يتجاوزوا آداب الحوار مع المجادل أين كان دينه أو عقيدته؛ وذلك لأن الجدل لإثبات البراعة فى الجدل والقدرة على منازلة الخصوم، وإثبات فساد أدلتهم مما حذر منه القرآن، وذلك لما يترتب عليه من توسيع هوة الخصومة، ولا يؤدى إلى نتائج إيجابية فى الحوار، بل ربما أدى إلى عكس المطلوب.

101 الحرص على إظهار الحق فقد تحاور القرآن الكريم مع المخالفين من أجل إظهار الحق، وليس من أجل الجدل والسفسطة، ومن ذلك قوله تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا" وقوله: "قل تعالوا ندعو أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الظالمين . وينعى عليهم القرآن الكريم جدالهم فيما ليس لهم فيه علم مثل ادعائهم أن إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء كان يهوديا أو نصرانيا يقول تعالى:"يا أهل الكتاب لم تحاجون فى إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها انتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلما تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبى والذين آمنوا والله ولى المؤمنين .

102 وحدة الجنس البشرى ركز القرآن الكريم دائما فى حواره مع الإنسان، سواء أكان هذا الإنسان مسلما أم غير مسلم إلى تذكيره بحقيقة هامة وهى وحدة الجنس البشرى، وهذا ما أكد عليه القرآن فى قوله تعالى فى سورة النساء: "يا أيها الناس اتقوا الله الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا" آية 1. فكأن الله سبحانه وتعالى يذكرنا ألا ننسى فى حوارنا، مسلمين وغير مسلمين أننا جميعا ننتمى إلى أب واحد وأم واحدة، فعليكم ألا تغفلوا عن هذه الحقيقة المهمة، وربما كان فى تأكيد القرآن على هذه الحقيقة وتذكير الإنسان المخالف بها لمما يساعد فى نجاح عملية الحوار، ويزيل التوترات ويساعد على تقريب وجهات النظر.

103 الاختلاف سنة كونية ويذكرنا القرآن الكريم بنقطة مهمة يجب ألا نغفل عنها فى مسألة الحوار وهى أن الاختلاف بين الأمم والشعوب هى إرادة إلهية، فالاختلاف فى اللون أو الجنس أو اللغة لا يجب أن يتخذ ذريعة لتحقيق مكاسب لفرد على حساب الآخر أو لأمة على حساب الأخرى، وهذا ما نلمسه بوضوح فى قوله عز وجل فى سورة الحجرات: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" آية 13. فمعيار التفاضل بين البشر كما تؤكد الآية القرآنية هو التقوى، والتقوى أمر بين العبد وربه، فهو سبحانه وتعالى هو الذى يقرر من هو التقى.

104 التنوع والاختلاف حكمة إلهية
ويشير القرآن الكريم إلى نقطة أخرى مهمة فى مسألة الحوار مع المخالفين وهى أن التنوع البشرى فى الأشكال والأجناس واللغات والثقافات والعقائد حكمة إلهية ولو شاء سبحانه وتعالى لجعل الناس جميعا مسلمين مجتمعين على عقيدة واحدة وفى أمة واحدة وهذا ما نلمسه فى قوله سبحانه وتعالى فى سورة يونس: "ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" آية 99. فمهمة الرسول - والرسل جميعا كذلك - أن يبلغ دعوة ربه للناس وبيان الصواب والخطأ، أما هداية الناس إلى الحق فهذا ليس من شأنه وهذا ما أكده القرآن فى أكثر من موضع ومناسبة "لاإكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى .

105 التدافع ويشير القرآن الكريم إلى معنى عظيم فى موضوع التنوع والاختلاف نلمسه فى قوله تعالى فى سورة البقرة: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" آية 251. فالتدافع بين البشر رغم ما يترتب عليه من قتال وصراع إلا أنه قد يكون أحيانا أمرا ضروريا لدفع الظلم وبيان وجه الحق، ولاحظ دقة التعبير القرآنى التدافع وليس القتال حتى يعلمنا أن القتال المشروع هو لرد العدوان ودفع المعتدين وليس قتال الغطرسة أو القتال لتحقيق منافع ذاتية. وهذا التدافع يكون أحيانا ضروريا لحماية بيوت الله من العدوان والضياع وهذا ما أشارت إليه سورة الحج فى قوله سبحانه وتعالى: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز" آية 40. فالتدافع رغم ما يؤدى إليه من خراب ودمار إلا أنه مشروع لدفع الباطل وللحفاظ على المقدسات من أن تنتهك حرمتها على أيدى المفسدين والمخربين.

106 معوقات الحوار خارجية داخلية الحركة الصهيونية برنارد لويس أنصار الصراع
المطامع الغربية فى ثرواتنا داخلية التعصب المذهبي الفرقة والاختلاف التركيز على الفرعيات وترك الكليات

107 التبادل الثقافي التبادل الثقافي بين الإسلام والحضارات الأخرى حقيقة واقعة وذلك لأن الإسلام كدين تفاعل مع واقع المجتمعات والشعوب في تجربة فريدة على مستوى الواقع فالأول مرة يحض دين على العلم وينظر إليه باعتباره فريضة لدرجة أن أول ما نزل من القرآن الكريم كان يعد تأسيسا لحضارة جديدة تقوم على العلم والمعرفة وذلك حينما هبط الوحي على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم باعتباره خاتم الأنبياء كان أول ما خاطبه هو مطالبته بالقراءة في قوله تعالى في سورة العلق في قوله تعالى : " اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم " ومن هنا كان للعلم مكانة مهمة في الحضارة الإسلامية وربما لهذا السبب كان الإسلام استثناء بين الأديان في حضه على العلم والمعرفة وفي تأسيسه لحضارة ظلت هي الأولى عالميا لمدة ثمانية قرون وذلك حيث يرى فلاسفة الحضارة أن الدين بطبعه مناقض للحضارة فلم تعرف الأديان الأخرى حضارة فلم تكون المسيحية ولا اليهودية حضارة فلم تعرف البشرية حضارة مسيحية ولا حضارة مدنية لأن الدين بطبعه مناف للحضارة وللمدنية بحسب رأي فلاسفة الحضارة.

108 الحركة الاستشراقية النشأة والتطور
في طي الدراسات الاستشراقية حظيت الدراسات العربية والإسلامية بنصيب وافر من الأبحاث والدراسات التي دارت حولها ، سواء أكانت تلك الدراسات شرحا وتوضيحا لأصول تلك العقيدة ، أو نقدا وتمحيصا، أو التماسا لجذورها في الأديان السابقة وخاصة في اليهودية والمسيحية. وقام بتلك الدراسات عدد كبير من الباحثين الغربيين (Occidental Scholars) الذين أنجزوا ما يزيد على ستين ألف دراسة عن الثقافة العربية الإسلامية في مدة قرن ونصف في الفترة من أوائل القرن التاسع عشر الميلادي وحتى منتصف القرن العشرين ، كما أشار إلى ذلك أحد كبار المفكرين . واصطلح على تسمية هؤلاء الباحثين الغربيين بالمستشرقين (Orientalists) وهم الذين عنوا بدراسة الشرق عموما - سواء الشرق الأدنى أو ا لأوسط أو الأقصى - في لغاته وآدابه وحضاراته وأديانه. وعلى هذا فكل من يقوم بتدريس الشرق أو الكتابة عنه ، أو بحثه - ويسرى ذلك على المتخصصين في علوم الإنسان ( أنثروبولوجي ) أو بعلم الاجتماع أو مؤرخا أو فقيه لغة - في جوانبه المحددة والعامة على السواء ، هو مستشرق ، وما يقوم هو أو هي بفعله هو استشراق.

109 بداية الظاهرة الاستشراقية
وإن كانت الآراء عن بداية الاستشراق مثار العديد من الاجتهادات المختلفة. فعلى حين يربط بعض الباحثين بداية الاستشراق بالبابا سلفستر الثاني في القرن العاشر الميلادي الذي قصد الأندلس وأخذ على أساتذتها من المسلمين في مدارس ريبول وإشبيلية وقرطبة حتى صار أوسع علماء عصره ثقافة بالعربية والرياضيات والفلك . وحينما انتخب حبرا أعظم (999م م ) أمر بإنشاء مدرستين عربيتين : الأولى في رومة مقر خلافته ، والأخرى في رايمس وطنه، ثم أضيف إليها مدرسة شارتر . ويرى فريق ثان - من المستشرقين أنفسهم - أن الاستشراق وبدايات الدراسات الإسلامية والعربية في أوربا تعود إلى القرن الثاني عشر الذي تمت فيه لأول مرة ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية ، كما ظهر في هذا القرن أيضا أول قاموس لاتيني عربي . ويذهب رأى ثالث لربط بداية الاستشراق الفعلية كحركة علمية بقرار مجمع فيينا عام 1312م الذي أوصى بضرورة إنشاء كراسي لدراسة اللغة العربية في جامعات باريس وأكسفورد وبولونيا وأفينيون وسلامانكا .

110 المرحلة الأسطورية سيطر على الفكر الغربي الأوربي في العصور الوسطى صورة أسطورية غير حقيقية بالمرة عن الإسلام والمسلمين ، مازالت آثارها ماثلة بقوة وفاعلية في الوعي الجمعي للجماهير الغربية في أوربا وأمريكا عن الإسلام حتى عصرنا الراهن، وذلك على الرغم من تخلص الدراسات الاستشراقية المعاصرة في معظمها من هذه الآراء المجحفة ، والصور التقليدية الزائفة التي صور بها الإسلام والمسلمين. ونلاحظ أن الحديث عن العقيدة الإسلامية في هذه المرحلة، كان حديثا عاما في إطار الحملة على الإسلام ككل ، وبالتالي لا نجد دراسات خاصة بكل جزئية من جزئيات هذه العقيدة ، كما حدث بعد ذلك في المرحلتين التاليتين . ورغم ذلك لانعدم حديثا عن بعض موضوعات هذه العقيدة بالتشكيك في الأصل الذي قام عليه الإسلام كعقيدة وشريعة، وذلك برفض نبوة محمد في الأساس، وبالتالي رفض كل ما بنى عليها من عقائد وأحكام .

111 أغنية رولاند هذه الصورة الأسطورية عن الإسلام والمسلمين غذتها الأدبيات الأوربية في العصور الوسطى بحكايات مغرقة فى الخيال وفى غاية الضلال والانحراف ، في وصف عقائد الإسلام ، اخترعها خيال الكتاب الأوربيين في ذلك العصر ،مثل أنشودة رولاند الشهيرة "The Song of Roland " وغيرها من آثار أدبية تسفه عقائد المسلمين وتصفهم بأنهم عباد أصنام ، أو أنهم يعبدون آلهة ثلاثة هي تير فاجان ، ومحمد وأبوللو . هذه الأصنام الثلاثة تحولت حسب تصور دائرة التخيل الأوروبي المتنامية في هذا المجال ، إلى الزعم بأنها في الأصل فكرة الثالوث المقدس للمسيحية (الأقاليم الثلاثة ) أخذها المسلمون، ولكن ضمن توجه وثنى لا توحيدي . وهكذا في سخرية مأسوية في إطار حملة التشويه ضد الإسلام ونبيه يتحول النبي محمد الذي حارب أكثر من أي مخلوق آخر عبادة الأوثان ، والذي حطم أصنام الكعبة، في تصور المسيحيين إلى صنم يؤلهه أتباعه، الذين يطلقون عليه ازدراء واحتقارا لقب عبيد سارة ، أو أبناء الجارية .

112 عقيدة النبوة قامت الدراسات الاستشراقية ، فى العصور الوسطى وحتى العصر الحديث على الإنكار التام ، والتشويه المتعمد لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ،وذلك على اعتبار أن الاقرار والاعتراف بصحة هذه العقيدة ، نبوة محمد ، فيهاعتراف بصحة، الاسلام كدين فالايمان بنبوته جزء أساسى من العقيدة الاسلامية ، يتصل بالأصل الأول من هذه العقيدة، وهو التوحيد : شهادة ألا اله الا الله ، وأن محمدا رسول الله لأن الايمان بالجزء الأول من تلك الشهادة " لا اله الا الله " لايكفى لأن يصبح صاحبه مسلما ، دون الايمان بالجزء الثانى المكمل له محمد رسول الله . وقد حظيت هذه العقيدة أى نبوة محمد ، بنصيب وافر من الدراسات الاستشراقية حتى أن أحد الباحثين المعاصرين ، يرى أن أكبر كمية من المؤلفات فى الأدبيات الغربية فى العصور الوسطى الأوربية فى تاريخ الإسلام ، وضعت عن النبى محمد

113 صورة الإسلام فى عصر التنوير
وفى عصر التنوير الأوربى فان الصورة التى سادت عن الاسلام فى أوربا كانت تكرس صفة الرجعية والتخلف والاستبداد، ورغم ذلك فان ماورد عن رأى فولتير الفيلسوف الفرنسى - الذى يعرف عصر التنوير باسمه فيسمى عصر فولتير - عن الاسلام محير فعلى على حين تذهب بعض الآراء إلى أنه كان معجبا بمحمد كرسول وبالحضارة التى أنشأها، علاوى على ماوجده فى الاسلام من قيم تنويرية كالسماحة والاحسان والزكاة التى لايوجد مثيل لها فى المسيحية، كما أنه لايوجد فى الاسلام رجال دين يتكلمون باسم الله كما هو الشأن فى المسيحية الكاثوليكية. وهكذا فان المقارنة بين الاسلام والمسيحية فى هذا الوقت - عصر التنوير - كانت تساعد فلاسفة التنوير على مهاجمة المسيحية، التى لاتعطى للعقل المكانة التى يتمتع بها فى الدين الاسلامى .

114 مرحلة التشويه والمغالطة
إذا كان الاستشراق هو دراسة الغرب للشرق بصفة عامة ، فانه في مرحلة ما من مراحله - ونتيجة للتراكمات الأسطورية العدائية المشوهة عن الإسلام والشرق الذي يمثله الإسلام فى الأدبيات الغربية القروسطية- تحول هذا الاستشراق إلى نوع من التمييز الوجودي والمعرفي بين الشرق والغرب. وذلك حيث سادت الأدبيات الغربية فى هذه المرحلة الجديدة، صورة الإسلام الرجعى. وربما كان ذلك التصور بديلا للصورة الأسطورية التي سادت في المرحلة السابقة ، وتطويرا لها.

115 العنصرية الغربية لقد جرى تصنيف الأمم والشعوب على أساس عنصرى وعرقى ، يؤكد أفضلية الانسان الأوربى ، والجنس الآرى على بقية الشعوب والأجناس وينسب اليه الفضل فى نشأة الحضارة ، وتطور الثقافات والرقى العلمى، والابداع الفلسفى والفنى. ونشأ نتيجة لهذا الشعور الفوقى بالأنا ظهور المركزية الأوربية Eurocentricity التى لم تر غير الغرب ، فهو وحده الذى أنشأ الحضارة والثقافة والنهضة والتنوير . وحقوق الانسان ، والديمقراطية . وعلى ضوء هذه النزعة العنصرية المتنامية فى ذلك الوقت ، أضيف إلى المفهوم التقليدى للاستشراق بعدا سياسيا لم يعهده من ذى قبل ، فأصبح للاستشراق الحق في تقرير شئون الشرق الرجعى المتخلف والعمل على تهذيبه وحكمه.

116 علم الإسلاميات الغربي وعلى الرغم من أن علم الاسلاميات الأوربى قدم فى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مساهمة ضخمة فى ميدان دراسة تاريخ الاسلام ثقافة وعقيدة فان المشكلة أنه فى الوقت الذى يسعى فيه هذا العلم لتفكيك الأساطير والحكايات الخرافية والقصص السخيفة المتداولة فى التراث الدينى الشرقى ( الاسلام والمسيحية الأرثوذكسية) نجد أن علم الاسلاميات شكل بدوره عددا ضخما من الأساطير والخرافات الغربية الجديدة حول الاسلام ولم يفعل شيئا مهما ، اللهم إلا أنه أضفى صبغة علمية علىالاضاليل القديمة ، والخرافات والقوالب النمطية الغربية - العتيقة عن الاسلام.

117 القرآن وحى الله أما موقف الاستشراق فى تلك المرحلة من العقيدة الاسلامية فقد تركز على الأصول الاسلامية القرآن الكريم ككتاب سماوى ، ومحمد كرسول موحى اليه. فنقد القرآن الكريم باعتباره كتاب الإسلام الذي تقوم على أساسه عقائد الدين الإسلامي وشريعته ، وتنبثق منه أخلاق المسلمين وآدابه، فإذا ثبت أن القرآن وحى الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فان الإيمان به يصبح أمرا لا مفر منه ، وبالتالي سعى المستشرقون إلى الزعم بأن محمدا نقل هذا القرآن عن اليهودية والمسيحية أو غيرها. ومن أجل ذلك تركزت جهود المناهضين للإسلام قديما وحديثا الحاقدين عليه إلى محاولة زعزعة الاعتقاد في صحة القرآن وفى مصدره . وقد بذل الوثنيون جهدهم في مقاومة فكرة أن القرآن وحى من عند الله ، فزعموا أنه ، إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون " أو أنه " أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا. وأن محمدا " يعلمه بشر" أو أن القرآن قول ساحر أو كاهن . وكانوا يهدفون من وراء ذلك كله الى إبطال القول بأنه وحى السماء إلى محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشر.

118 المستشرقون والقرآن 1- جهل هؤلاء المستشرقين باللغة العربية.
2- ضحالة ونقص معلوماتهم عن المصادر العربية . 3- سيطرة الحقد على الإسلام الذى ورثوه ورضعوه منذ طفولتهم على عقولهم وتسببه فى عماء بصيرتهم. 4- نقل المستشرقين الأكاذيب حول القرآن والإسلام بعضهم من بعض ، وتأكيدهم لها وتمثل ذلك في كتابات كل من هرشفيلد ، وهورفيتس وسباير. 5- المشابهات الخاطئة التي دفعت السطحيين منهم إلى إصدار أحكام سريعة ( نقل اقتباس - تقليد - تأثير وتأثر ) وأن ليس في القرآن إلا توافق ظاهري، وهذا هو حال نولدكه ، ومرجوليوث ، وجولد تسهير ،/ وشفالى . لكن نولدكه تراجع عن آرائه التي في كتاب تاريخ القرآن ، طبعة جونتجزا 186 ، ورفض إعادة طبع الكتاب . 6- الالتزام التبشيرى شديد التعصب ، وتلك حالة ، وليم مويير ، وزويمر . الجدير بالذكر أن موقف المستشرقين ليس كذلك من الأديان الأخرى وهذا ما أشار إليه أحد كبار الباحثين المعنيين بقضية الاستشراق والحوار مع الأديان

119 المرحلة الحديثة والمعاصرة
مع بداية القرن العشرين بدأت الدراسات الاستشراقية تخف من حدتها فى تشويه الفكر الإسلامى شيئا فشيئا، ووجدنا بعض المستشرقين يتراجعون عن مواقفهم السابقة فى نقد هذا الفكر حينما تبين لهم الحق ، مثلما حدث مع نودلكه ( ) فقد رفض إعادة طبع كتاب عن " تاريخ القرآن" الذى طبع فى جوتنجن " 1860" وتراجع عن الأفكار الواردة فيه عن وجود تأثير بالكتب السابقة التوراة والإنجيل . ومع بداية النصف الثانى من القرن العشرين حدث تطور نوعى ملحوظ فى موقف الدراسات الاستشراقية من الفكر الإسلامى، خصوصا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والطلاق الرجعى الذى حدث على إثرها بين الاستشراق والسياسة الذى شكل الموقف الاستشراقى بصفة عامة من الاسلام فى المرحلة السابقة - مرحلة الاستعمار والتشويه المتعمد للفكر الاسلامى - وذلك من أجل تبرير احتلال هذه الشعوب بزعم العمل على تقدمها ورقيها وإخراجها من حالة التخلف والفكر الرجعى الذى تعيشه .

120 أسباب نضج الدراسات الاستشراقية
والحقيقة أنه كان وراء نضج الدراسات الاستشراقية المعاصرة فى الحديث عن الاسلام والصورة الموضــوعية التى تتميز بها الآن الكثير من الدراسات الغربية عن الاسلام ، مجموعة أسباب رئيسية يجب التنويه بها على النحو التالى: أ - توافر الدراسات والمعلومات الصحيحة عن الإسلام باللغات المختلفة وبكثافة كبيرة بيد العديد من أبناء تلك المجتمعات الذين اقبلوا على دراسة الفكر الاسلامى ووقفوا حياتهم عليه. ب - تملك الغرب - أوربا وأمريكا - لناصية الحضارة المعاصرة ، وبالتالى لعناصر القوى والسيادة فى مجالات السياسة والاقتصاد ، والعلوم والثقافة ، مما أزال عوامل الخوف والرهبة من مجرد احتمال وجود خطر إسلامى يهدد وجود تلك الحضارة ويسعى إلى السيطرة عليها وتدميرها. ج - دخول الاسلام فى بنية المجتمع الغربى وذلك من خلال وجود الاسلام كمكون من مكونات البنية الاجتماعية للمجتمعات الغربية ، عن طريق الجاليات الإسلامية التى استقرت كجزء أساسى فى تلك المجتمعات الغربية.

121 مصطلح العولمة والحقيقة أنه يكاد يكون هناك شبه إجماع بين الباحثين المتصدين لدراسة ظاهرة العولمة في عالمنا العربي على صعوبة المصطلح وعدم التوصل إلى تعريف جامع يتفق عليه الجميع. وربما ساعد على غموض مصطلح العولمة أن معظم الباحثين ينظر كل واحد منهم إلى المصطلح من زاوية معينة فركز بعضهم على الجانب الاقتصادي الذي يعتبر أبرز وجوه ظاهرة العولمة مثل: تركيز رأس المال في يد فئة قليلة للغاية، وعلاقة الشركات متعددة الجنسيات Transnational Corporation ) ) بقوانين الدولة القومية وسيادتها. بينما ركز فريق آخر من الباحثين على الوجه السياسي للظاهرة ،ومدى علاقتها بالمفهوم التقليدي للدولة القومية( State Nation ) وأثرها على سيادة الدول، وهل سيتغير مفهوم الدولة عما كان عليه الوضع قبل ظهور العولمة ؟ إلى آخر ذلك من قضايا تتصل بسيادة الدول ومركزيتها. على حين نظر فريق ثالث إلى الظاهرة من خلال سؤال الهوية ( Identity ) ومدى تأثيرها على منظومة القيم وتعدد الثقافات…… وهكذا .

122 أسباب رفض العولمة لقد غلب على موقف الباحثين العرب لظاهرة العولمة، موقف الرفض، وقلنا أنه الموقف الذي يشكل موقف الأيديولوجيين من الماركسيين والاشتراكيين وأهل اليسار ومن دار في فلكهم من أعداء الرأسمالية والليبرالية الغربية. أو من قبل الإسلاميين الذين يخشون على الهوية من أن يعصف بها الوافد الجديد. علما بأن موقف الرفض هذا من قبل الفريقين يتناقض مع واقعهم العملي، ففي الوقت الذي يعلن فيه هذا المفكر أو ذاك رفضه للظاهرة ، ربما يكون واقعا تحت تأثير الظاهرة التي يرفضها، فيكون قادما لتوه من تناول الغداء أو العشاء مع أسرته أو أصدقائه في أحد مطاعم البيتزا، أو ماكدونالدز أو كنتاكي. ومتابعا لآخر أخبار العالم عبر شبكة C N N الأمريكية أو يكون قد تبادل الاتصال مع أصدقائه في جامعة لندن أو السربون أو هارفارد عبر البريد الإلكتروني.

123 الموقف من العولمة إن نظرة سريعة على هذه التعريفات تبين لنا أننا أمام جميع ألوان الطيف فبين نظرة مغرقة في التفاؤل ترى أن العولمة دعوة لإشاعة الأمن والرخاء، وإفساح المجال للتنافس، وتعميم مشاريع النهضة والتنمية. وهو ما يتناقض كلية مع أوضاع العالم الذي يرى منذ فترة بعيدة تصاعد حدة التوترات والحروب في أرجاء متعددة من المعمورة.كما يشهد انحسارا وتراجعا ملموسا للاقتصاد العالمي ومن هنا جاء هذا الوصف أشبه برؤية طوباوية غارقة في الأحلام والأوهام، ولا تستند إلى رؤية حقيقية تتمشى مع الواقع الذي يقول: إنه منذ بروز الحديث عن ظاهرة العولمة مع بداية العقد الأخير من القرن الماضي وحتى الآن فإن العالم يشهد تراجعا في الأمن والأمان كما يشهد خصوصا منذ عام 1997م تراجعا اقتصاديا لم تسلم من آثاره دولة من الدول ولا أمة من الأمم. وفي مقابل هذا الرأي المغرق في التفاؤل هناك على الجهة المقابلة الرأي الآخر الأكثر تشاؤما، الذي يرى أن العولمة تعني الهيمنة وبسط نفوذ دولة واحدة ورؤية واحدة على بقية الدول والرؤى، وبالتالي العولمة عند هذا الفريق مرادفة للأمركة. خصوصا من قبل كل من الأيديولوجيين والإسلاميين أكثر من تعرض للظاهرة بالنقد والتعليق.

124 وتم بحمد الله


Download ppt "وقُلِ اعمَلُوا فَسَيرَى الله عَمَلَكُم وَرَسُولَهُ والمُؤمِنُون"

Similar presentations


Ads by Google